والحال أن من يحاكم في سورية هم كوكبة من نساء ورجالات الشام الديمقراطيين الوطنيين، ونخبة من الكفاءات الشريفة التي تضرب جذورها في العمق السياسي التاريخي للشام، والتي لم تصبها لوثة السياسات الكبيرة، فاستمرت تعضّ على الجرح وتوائم خطابها الرافض للديكتاتورية والفساد مع رفضها الذوبان او الارتهان لحسابات الدول.
هذه المعارضة في 'دمشق الشام' هي معارضة مبدئية، ولعلّ مواجهة نظام حكم سليط اللسان يزخر خطابه باتهامات التخوين والخيانة ويتربع على عرش القضايا الكبرى تستدعي من مناضلي إعلان دمشق ورفاقهم من الناشطين الوطنيين في سورية تأكيد الطابع المبدئي للمواجهة.
هذا كله مفهوم، ومفهوم ايضاً ان يستشرس النظام الذي يفاوض الإسرائيلي، ويسعى لنيل رضا الأميركي، في الدفاع عن نفسه فيستعيد اساليب البطش والتنكيل الأمنية.. لا حاجة لتبيان الرابط بين الديكتاتورية والفساد، بين القمع وبين إقصاء المجتمع السياسي السوري عن نقاش القضايا الكبرى، هذه القضايا التي تكتسب هالة القدسية في خطاب التخوين، ويُمنع النقاش فيها حينما ياتي وقت التفاوض والصفقات الكبيرة منها والصغيرة.
لكن.. ما أريد ان الفت النظر إليه، هو الغياب شبه التام للإعلام العربي ولا سيما الفضائيات عن إيفاء هذه القضية حقها.
فإذا كان مفهوماً ان الإعلام الرسمي في الدول العربية يتجنب 'التدخل' في شؤون 'الأشقاء' كي لا يتدخلوا هم في شؤونه أيضاً (!)، إلا ان الإعلام 'الخاص' او المستقل لم يشذّ عن هذه القاعدة.
'الجزيرة' مرتهنة بالكامل إلى علاقتها بالنظام السوري وارتباطها بالأخوان المسلمين في الوقت نفسه، وتغيب عن التركيز على الاعتقالات إلا كجزء من تحصيل حاصل حيث تفرض أبسط قواعد المهنية ان لا يتم تجاهل الخبر.. لكن لا البرامج تتناولها ولا التغطيات الطويلة التي عوّدتنا عليها هذه المحطة. فالتغطية خجولة.
اما 'العربية' فتقترب من هذه المسألة بقدر ما تتلاقى مع نفخها المستمر لتضخيم حجم تحالف عبدالحليم خدام – صدر الدين البيانوني الموغل في حساباته الإقليمية والدولية والبعيد عن تمثيل التطلعات الحقيقية للمعارضة الوطنية السورية في الداخل.
البي بي سي التي أطلقت تلفزيونها العربي، تزاوج بين 'حياديتها' المعلنة وضعف إمكانياتها المالية لتبعد عمّا يثير غضب الأنظمة، وهي التي تفخر بانها بدأت الإرسال مبكراً ذات صباح لتغطية إطلاق الأسرى اللبنانيين من سجون إسرائيل، تتغاضى عن واقع أنها محكومة بمراعاة اضطرارية (مراعاة تهزّ ضميرها المهني!) لمتطلبات العمل في الدول العربية.. فلا تريد مشاكل ولا قطع علاقات، وفي الوقت نفسه تعزف معزوفة القومية العربية الإسلاموية البلهاء بأموال دافعي الضرائب في بريطانيا.
العار في كلّ ذلك، انه وعلى الأقل منذ اعتقال فداء حوراني ورفاقها في نهاية 2007 لم يخرج برنامج تلفزيوني واحد على الأقل على أثير هذه الفضائيات للحديث عن هذه القضية.
هو عار ليس فقط على ممولي هذه الفضائيات، بل على العاملين فيها وعلى كبار محرريها، لأننا نعرف كلنا كإعلاميين ان ثمة هامشاً من الحرية معطى لهم.
لكن ما العمل حينما يكون الإعلامي ضابط نفسه قبل ان يضبطه الاخرون؟
الم يحن الوقت للتفكير جدياً بكسر حلقة الاحتكار والحصار والنضال من اجل إعلام عربي حرّ مرتبط بقضايا مجتمعاتنا وليس بالسياسات الضيقة لبعض الدول، او بالنزعات الشخصية لبعض 'كبار' مثقفي إعلامنا في الداخل والمهجر؟