الحادثة الأولى حصلت عام 1998، تاريخ الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين، وكانت مجموعة من المثقفين اللبنانيين قد حدّدت نشاطات متفرِقة متعلِقة بالنكبة ودعت إليها مجموعة كبيرة من المثقفين من مختلف أرجاء العالم ومن ضمنهم بعض الكتاب والمفكرين اليهود المعروفين بعدائهم للصهيونية ودولة إسرائيل، إلاَ أنّ بعض الأحزاب في لبنان ومن ضمنها حزبٌ علماني عريق يجاهر بعلمانيته في شتّى المناسبات شنّ حملةٍ عشواء على منظّمي فعاليات ذكرى نكبة 48 ووصفهم بالصهاينة ومضلَلي الرأي العام حتى وصل الأمر ببعض "الرفاق" في الحزب العلماني بتوجيه تهديدات مباشرة بالقتل إلى المنظّمين وصولاً إلى الوعد علناً وعلى مسمع من الصحافة والإعلام بتفجير مقر إقامة النشاطات في حال حضور هؤلاء الكتاب والمفكّرين... طبعاً انتهى الموضوع بعدم حضورهم إلى بيروت خوفاً من أن ينفِذ "العلمانيون" ما وعدوا به لكنّ سمير قصير بقلمه وجرأته المعهودة أبى أن يسكت عن هكذا أمر ووصف ما حدث في مقالٍ شهير في جريدة النهار عنوَنه : "مدّعو قوميةٍ ما".
الحادثة الثانية حصلت في نفس العام ولا دخل لها لا من قريب ولا من بعيد بالموضوع الفلسطيني وذكرى النكبة ومسرحها كان كافيتريا المبنى الموحّد للجامعة اللبنانية حيث أصدر مجلس الطلاب المكوّن بغالبيته من محازبي ومناصري حزب الله قراراً بمنع بثّ أغاني فيروز في الكافيتريا، وعندما قام بعض الطلاب بالاستفسار عن الموضوع فوجئوا بردٍ واضح من قبل مجلس الطلاب مفاده أنّ أغاني فيروز تثير الغرائز الجنسية عند الطلبة! لكن الطلاب أعادوا مرةً ثانية استيضاح مجلس الطلاب حول هذا الموضوع غير مصدِقين ما سمعوه في المرة الأولى، إنّما الردّ جاء هذه المرّة عنيفاً وعلى لسان أحد مسؤولي الحزب في الجامعة متّهماً الطلاب بعدم الالتفات إلى دراستهم وتحصيلهم العلمي والانهماك والانشغال عوضاً عن ذلك بالأمور التي يحرِمها الدين إضافةً إلى الاستماع إلى ألحانٍ موسيقية هي أساساً غربية يهودية!
الحادثة الثالثة وقعت عام 2006 وعلى أثر انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدأت الوفود العربية وغيرها بزيارة لبنان والاطّلاع على الدمار و الخراب الذي خلّفته الهمجية الإسرائيلية في معظم المناطق اللبنانية، و كانت المحطّة الأساسية (إضافةً إلى بلدات الجنوب) هي الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت حيث نالت النصيب الأوفر من الصواريخ والقذائف الإسرائيلية حيث ظنّت القيادة الإسرائيلية أنّها ومن خلال تكثيفها لحدّة القصف تستطيع اغتيال السيِد حسن نصرالله والقضاء بشكلٍ أساسي على البنى الداخلية الخاصة بالحزب... إلاّ أنّ النتيجة أثبتت عكس ذلك و جاءت الوفود العربية لمعاينة الضاحية الجنوبية ومن ضمنها وفدٌ قطري رفيع المستوى ضمّ رئيس الوزراء وشخصيات أخرى، وتمّ استقبال الوفد من قبل قيادة حزب الله بالترحيب والتهليل ودخل الوفد إلى الضاحية الجنوبية كدخول صلاح الدين الأيوبي إلى مدينة القدس على أثر هزيمة ريكاردوس قلب الأسد وتناسى الجميع أنّ أبنية وطرقات الضاحية الجنوبية قد دمّرتها الصواريخ الذكية وغيرها من القذائف والصواريخ التّي قامت الولايات المتحدة بتزويدها بشكلٍ يومي إلى جيش الدفاع الإسرائيلي عن طريق قاعدتها في دولة قطر!!!
الحادثة الرابعة حديثة العهد وهي من العام الماضي حيث منعت السلطات اللبنانية عرض الفيلم الإسرائيلي "فالس مع بشير" إضافةً إلى منع استيراد أقراص الـ"دي في دي" الخاصة بالفيلم وذلك وفقاً للأنظمة والقوانين اللبنانية المتعلِقة بمكافحة ومنع دخول البضائع الإسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية، إلاّ أنّ المستغرب هو الكميّة الهائلة من أقراص الـ "دي في دي" المقرصنة الخاصة بهذا الفيلم والتي بيعت في السوق وكان مصدرها واحد يقع ضمن مناطق سيطرة حزب الله ... وحيث أنّ الفيلم يسلِط الضوء على مجزرة صبرا و شاتيلا والمنفِذ أيّ الطرف اللبناني (القوات اللبنانية)، و بما أنّ هذا الطرف اللبناني على نقيض وصراع سياسي واضح مع حزب الله ومن المجدي سياسياً التذكير الدائم بماضيه "الإجرامي و العميل" فلا مانع من نسخ الفيلم وبيع نسخ مقرصنة عنه غير آبهين بالإنتاج الإسرائيلي لهذا الفيلم مغلِبين منطق مكيافيلي الشهير: "الغاية تبرِر الوسيلة"!ختاماً أعود و أكرِر ما قلته في بداية المقال، إنّني لست على دراية كافية بخلفية جاد المالح الفكرية والسياسية ولست واثقاً من الروايات المتعلِقة بدعمه المطلق.. لكن بالتأكيد فإنّ برنامج جاد المالح و"قفشاته" الفكاهية في مهرجانات بيت الدين لكانت أقلّ ضرراً ودماراً وقتلاً من الصواريخ الذكية الآتية عن طريق دولة قطر أو أكثر إنسانية من العصبيات العنصرية والفاشية الصادرة عن هؤلاء "مدّعي قوميةٍ ما" الممانعين في أزقّة وخبايا شارع الحمراء.