Thursday, December 24, 2009

عودة الإبن الضال

خالد برّاج



هل هو عنوان الفيلم الشهير ليوسف شاهين ؟ وصف لحالة الإبن الذي يعود لذوييه بعد إفتراقٍ طويل ؟ عودة لاعب كرة القدم إلى النادي الذي إنطلق منه ؟

جملة أو عباراة تُستخدم منذ القدم لوصف حالة الرجوع أو عودة الشخص إلى نقطة البداية , فيها كثيراً من الندم و نقداً لمرحلةٍ ما تاه فيها الإبن عن "الخيار الصحيح", فالإبن شخصٌ ضال أي أنّه أضاع الطريق و زاح عن الدرب في مرحلةٍ هي الأخرى يراد لها أن تُمحى من ذاكرة الإبن و العائد إليهم.

و هي عبارة في محلِها إذا ما أحسنا وصف اليساري العائد إلى طائفته بعد صراعٍ مشهدي طويل مع طائفته و طوائفهم (أي الطوائف غير طائفته) و الطائفية.
هذا اليساري المنهمك منذ الإستقلال بالنقاش و النقد و تقديم مشاريع إصلاحية للنظام و المجتمع , يعود اليوم إلى طائفته غريباً عنها و غريباً عن نفسه.
هذا اليساري الذي أذلّته الحرب و ما بعد الحرب و دمرّت أحلامه حروب و سياسيو الطوائف و المذاهب , يعود اليوم إلى طائفته كي يكون جندياً عصِياً بوجه الطوائف الأخرى.
هذا اليساري الذي خزله اليسار من معتدليه إلى أقصاه , يعود اليوم إلى طائفته كي يطالب و يدافع عن لقمة عيشه من خلال ملهمه أو لينينه الجديد "زعيم الطائفة".
هذا اليساري الذي و جد نفسه متحالفاً مع طوائف الأحزاب و أحزاب الطوائف, يعود اليوم إلى طائفته كي يصبح الأصل و ليس الحليف.
هذا اليساري الذي فضح ممارسات الحكومات و الوزراء في شتّى العهود, يعود اليوم إلى طائفته كي يُمسي وزير طائفته يتحدّث بإسمها, يغار على مصالحها, يهلِل لإنتصاراتها الوهمية.
هذا اليساري الذي لم يحرِر فلسطين و لم يُسقِط الأنظمة الرجعية منها و التقدّمية , يعود اليوم إلى طائفته كي يدافع عن غزّة من خلال أإمة الجوامع و جمع تبرعّات الأنظمة.
هذا اليساري الحزين على إنهيار الإتحاد السوفياتي و تراجع الفكر الإنساني, يعود اليوم إلى طائفته كي يبحث عن إتحادٍ سوفياتي (طائفي) جديد في بلاد فارس أو الصحراء العربية.
هي عودة إلى الأساس و ليس إرتداداً , هي حالة اليأس و القرف من كل شيء و أي شيء, هي التفتيش عن المصلحة الشخصية بعد أعوامٍ و عقودٍ من "النضال من أجل الجماهير" هي ببساطة كما يصفها أحد الأصدقاء عند سؤاله عن أحد الأبناء الضالين العائدين إلى طوائفهم: " مبلى كان بالحزب بس إكتشف بعد كل هل السنين إنّو كلّو تفنيص, ففضّل يرجع إبن الطايفة و يعمل إرشين حلوين ".