ميشال دويهي*
إلى جانب المحكمة الدولية التي يتعامل معها حزب الله على أنها مفبركة لاتهامه باغتياله للرئيس رفيق الحريري ورفاقه، بدأت منذ مطلع هذا العام أحداث في العالم العربي، لم يحسن الحزب استخلاصه العبر منها. فتكاثرت "مشاكله" إلى جانب أزمته مع المحكمة الدولية مما يؤدى مع الوقت إلى ضمور هامش تحركه. ويهمنا هنا أن نسلط الضوء على هذه المشاكل المتسعة:
تنبع أولى هذه المشاكل من تنقل الثورات في العالم العربي التي هي نتيجة لانفجار قنبلتين موقوتتين وهما "الشباب والانترنت". بعكس ما قيل ويقال، لم تأتي هذه الثورات على ذكر فلسطين ولا الصراع العربي الإسرائيلي، بل هي ثورات جوع وكرامة ورفض للديكتاتوريات المتسمرة في العالم العربي منذ عقود.
ثانياً، الوضع الداخلي الإيراني: يعرف حزب الله أن الشعارات التي رفعت، من الداخل الإيراني، ضد تمويله هو وحركة حماس في العامين 2009 و 2010 على حساب الوضع الاقتصادي الإيراني الصعب تعبر تعبيرا دقيقا على التناقضات بين أركان النظام من جهة وبين الشباب الإيراني الثائر على هذا النظام الجائر من جهة أخرى. فبالتأكيد لن يصمد هذا الأخير كثيراً أمام حمى التغيير التي تصيب حالياً منطقة الشرق الأوسط وسوف يصل إلى الجمهورية الإسلامية مفعول "الدومينو" الذي يجتاح العالم العربي، آجلاً أم عاجلاً . مما لا شك فيه، إن أي تغيير في النظام الإيراني سوف يؤدي إلى إضعاف حزب الله وتأثيره في الداخل اللبناني.
ثالثاً، الوضع الداخلي السوري: فحزب الله يراقب بحذر فوران الشعب السوري الذي يريد الخلاص من نظام حزب البعث. فمخاوف حزب الله في محلها لأنه يعرف جيدا أن سوريا غداً لن تكون كما كانت من قبل، صمد النظام أم لم يصمد.فبالأساس يتعامل حزب الله بكثير من الحذر والبراغماتية مع النظام السوري وتجربته على الأقل في العشرين السنة الماضية تدل على ذلك. و ما حصل مؤخرا مع عماد مغنية في الشام يؤكد على تخلخل عامل الثقة في العلاقة بين الاثنين.
رابعاً، وضع اللبنانيين في الخليج: فقد بدا واضحا أن تطور الأحداث في البحرين قد دفع بالمملكة العربية السعودية وبمجلس التعاون الخليجي باتخاذ القرار بالمواجهة المباشرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذا من شأنه أن يضع اللبنانيين الشيعة الموالين والمعارضين لحزب الله والعاملين في دول الخليج العربي في موقع صعب ودقيق. وموجة الترحيل الأخيرة للبنانيين الشيعة من بعض هذه الدول هو خير دليل على ذلك.
خامساً، علاقة سلاح حزب الله بالداخل اللبناني: فحزب الله كان شديد الارتياح عندما لم يكن سلاحه في موقع نقاش شديد بين اللبنانيين جميعاً وعندما لم يكن دور هذا السلاح ذاته مطروحاً على طاولة الحوار. بعد العام 2006 وخاصة بعد أيار 2008، انتفض أغلبية اللبنانيين على دور هذا السلاح وعلى استخدامه في الداخل مما أربك حزب الله الذي بات مطالبا بالدفاع عن سلاحه يومياً أمام علامات استفهام اللبنانيين الخائفة من دوامة هذا السلاح.
سادساً، أزمة تشكيل الحكومة: وذلك مع عدم تمكن حزب الله من تشكيل الحكومة اللبنانية بالرغم من تمتعه بأغلبية برلمانية (وهنا لن ادخل بتفاصيل تشكل هذه الأغلبية). فالوقت ليس لصالحه مع غليان المنطقة واقتراب موعد المحكمة الدولية.
سابعاً، علاقة نبيه بري بحزب الله: فما كشفته بعض الصحف عن العلاقة بين زعيم الشيعة من 1978 الى 2000 وبين حزب الله الذي خطف هذا الدور اجبر بري على مواكبته مكرهاً لزعامة حزب الله للطائفة الشيعية، لم يكن سراً.
ثامناً، وضع أبناء الطائفة الشيعية العائدين من ساحل العاج: فالممولون السابقون لحزب الله تحولوا في الوقت الحالي بعد تشردهم من هذه الدولة الإفريقية إلى مشاريع عاطلين عن العمل يبحثون عن مورد رزق جديد.
بالرغم مما ورد، لا أنكر على حزب الله أن مزاج وقلب أغلبية الطائفة الشيعية معه، فهو عرف بذكاء كيف يستحوذ على ولاء أبناء هذه الطائفة من الملتزمين بعقيدته الدينية ومن غير الملتزمين. فباعتماده للغات عدة في خطابه السياسي منها الحرمان ومنها المقاومة ومنها حصة الطائفة الشيعية في النظام السياسي اللبناني ساعده على لم شمل الطائفة بأغلبيتها تحت جناحه. ولكن كما كانت الطائفة مع غيره، فهي مهيأة لان تنتقل تدريجيا إلى مقلب آخر. فللمشاكل التي تم عرضها أعلاه قدرة على التفاعل في اتجاه وضع دور حزب الله وعلاقته بالطائفة الشيعية اللبنانية تحت المجهر.
فهل يتعامل عقلاء الحزب مع هذه المشاكل بجدية وهل يقتنعوا ببراغماتيتهم التي يتمتعون بها بأنهم في صلب أزمة مفتوحة؟ وهل يمدوا اليد إلى الداخل اللبناني؟ وهل حركة 14 آذار مستعدة لملاقاة الحزب في منتصف الطريق بعيدا عن المكابرة والشماتة على أن يكون الشرط طبعا لبننة الحل وتسليم السلاح للدولة اللبنانية؟
وهل سوف تسمح إيران للحزب بإنقاذ الشيعة اللبنانيين من سياسة المحاور أم ستذهب بهم إلى المزيد من المواجهة؟ هذه المواجهة المحكومة بواقع الديموغرافيا السنية في منطقة الشرق الأوسط حيث لا إمكانية لإيران بالفوز بها. من هنا حزب الله مطالب بإنقاذ شيعة لبنان ودفعهم للانخراط بمسيرة بناء دولة لبنانية عوضاً عن الانخراط في مشاريع سياسية إقليمية ممكن أن تكون فادحة الخسارة على الطائفة الشيعية في لبنان وفي كل الأقطار العربية.
*أستاذ جامعي