Thursday, August 14, 2008

وأنت وجوه نحبّها في وجه واحد


وائل عبد الرحيم

محمود درويش يتوسط ياسر عرفات وجورج حبش

هنالك انت، على تلة في رام الله، تناكدنا برحيلك المبكر، تُبكينا وتُثقل علينا.. ما انت إلا وجه اجتمعت فيك كل الوجوه التي نحبها، فكأنما برحيلك رحلوا كلهم... على هذه الأرض قصيدة حب تستحق أن نولد معها من جديد.. على هذه الأرض فلسطين التي زيّنتها انت وسرّحت شعرها وغسلت قدميها، وهي الآن تحضن جسدك.

انت فلسطينُك فلسطيننا، وانت امُّك امنا...

***

حينما يغرُب وجهٌ آخر من الوجوه الحلوة، ...
حينما يذهب فدائي إلى النوم، ويعلن العام ان سيدة، ام البدايات والنهايات، حزينة للفراق، وحينما يبكي الشعراء سيّد الشعراء، وتنزوي عصافير الجليل وترفض ان تطير...

حينها، فلنعلم انه اكثر من موت وأصعب من لحظة رحيل.

شخصياً، أفضل العام الذي قبل هذا العام على العام الحالي. وحتماً افضل الذي قبله، وقبله..

وربما كنت افضّل لو ان الزمن ما عاد زمنا.. تجمّد او تحجر او اخترع الله او العلماء له بديلاً.. هكذا لكنا عشنا احلامنا في سني الحُلم ولم نهزم عشرات المرات.

ليست الهزيمة ان تُحتل الأرض ويمزقها جدار.. بل الهزيمة ان نعود إلى البداوة، والجاهلية تنخر عقولنا وتصيب القلوب بالتيبّس. فلكم هو بليغ حقاً سميح القاسم في رثائك يا محمود درويش، يبكيك فإذ هو يبكي فلسطيننا الآن.. فهي حقاً "ذُبيانُ تَغزو. وعَبْسٌ تُحارِبْ".. وها هو القاسم يتمنى لو انه يلحق بك غير آبه بحزننا، فيصرخ "خذني معك"، حتى لكأنه نكاية يريد ان يضيف حزناً على حزن في الزمن الحزين.
فها هي غزة يا محمود درويش إمارة حيث "صار لكل عصابةٍ نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا"...!

***

هل اختار محمود درويش الرحيل عن سابق تصوّر وتصميم؟
هل اصيب بجرح الاقتتال وتدمير الذات الذي يمارس ليلاً نهاراً وجهاراً جهاراً دون حياء ودون تورية؟

ربما.. وربما هو مجرد موت..

لكنه القدر ان تغيب الوجوه التي شكّلت وعينا، ترحل وجهاً بعد آخر، تخلي مكانها لأبي سفيان وصبيانه.. وتعلن ان موعد فلسطيننا مع انتفاضة انسانية متجدّدة تأجّل زمناً...

***

انت الذاكرة يا محمود درويش، وانت عرس الجليل، وانت انتفاضة الحجر في رام الله.. وانت مقاومة الحصار في غزة.. وانت الذي ما غادرت حيفا..
انت الاخرون الذين توالى رحيلهم في سنوات القهر هذه، انت ياسر عرفات وجورج حبش وابوعلي مصطفى.. وأنت توفيق زيّاد وإميل حبيبي... وانت وجوه نحبّها في وجه واحد..

وانت بيروت الشعراء والفدائيين... وانت العواصم العربية في لحظة حرية.. وأنت الذاكرة والذكرى.

برحيلك اليوم، تشرف دائرة الحلم على الفراغ... لكن برحيلك يا احبّ الناس إلى فلسطين يزداد الإصرار على التمسك بجوهر الصراع.

***

انا لم أعد اؤمن بالحتميات التاريخية، لكن هذه القضية التي نزفت 100 عام واكثر لن تنمحي.. وهذا الشعب الذي قدّم أغلى الشهداء واجمل الأبناء ليحيا، لن يموت.. هذه هي الحتمية التاريخية!
وسيبقى علمك يا فلسطين، علم منظمة التحرير الفلسطينية، مرفوعاً عالياً عالياً عالياً ما بقي حيّ على هذه الأرض.. وسيبقى هذا الشعب ينشد مع توفيق زيّاد أننا باقون.. باقون.. "كأننا عشرون مستحيل، في اللد، والرملة، والجليل"، واننا "هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار"..

***

سنفتقدك يا محمود العائد إلى التراب.. سنفتقد قصائدك وثورتك وشجاعتك وصدق الأحاسيس..
و"فلسطين لنا".. ستظل قصيدة حب، وانشودة حرية وتحرر، ونبيذاً على جسد عار راقص في عرس بين كنيسة المهد ومسجد عمر.

1 comment:

Anonymous said...

A Nablus, en écoutant depuis hier soir des F16 ou peut-être d’autres avions sans pilote survoler cette ville, j’aimerai pouvoir lire ce texte, que selon quelqu’un qui a pu le lire en arabe semble être très touchant mais difficile à traduire! Bien à toi… Inês