Wednesday, November 18, 2009

مصر والجزائر

خالد برّاج




"كرة القدم هي صورة عن مجتمعنا، أنظروا جيِداً لتعبير أحد اللاعبين على أرض الملعب أو أحد المشجعِين في المدرجّات، هذه صورهم في الحياة اليومية ".
إيميه جاكيه - المدرِب السابق للمنتخب الفرنسي لكرة القدم

هستيريا جماعية أصابت المجتمعين المصري والجزائري والسبب كما يعلم الجميع المباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم 2010 والتي سوف تجرى في العاصمة السودانية الخرطوم "الأرض المحايدة" مساء يوم الأربعاء 18/11/2009، ولكن، ما الذي أدّى إلى هذه الهستيريا؟
الأهمية تكمن في التأهل لكأس العالم لكرة القدم ممّا يضع منتخب البلد المتأهل في خانة أفضل 32 منتخباً عالمياً وتضع البلد المتأهل على خارطة الدول المتداول إسمها خلال فترة "المونديال" إضافةً للمردود المادي من الدعايات والشركات التي سوف تتسابق لعقد اتفاقيات رعاية مع المنتخب المتأهِل.
الحسّ الوطني أو الإحساس بالإنتماء عند معظم المصريين و الجزائريين و ضرورة مساندة منتخب بلادهم الذي أصبح يشكِل لهم (حسب رأيهم) من خلال وصوله إلى المونديال (إذا ما حصل) نموذج للتفوّق الوطني و العزّة والكرامة .
الشعور الدائم بالإحباط عند معظم فئات الشعب في كل من المجتمعين المصري والجزائري نتيجة الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية الخاصة بكل بلد و محاولة "فش الخلق" أو "التنفيس" مثلاً من خلال حدث رياضي كالمبارة المذكورة*.
التجييش الذي مارسته السلطات الرسمية أو شبه الرسمية في كل من البلدين والمناكفات الإعلامية العلنية بين اتحادي كرة القدم في كل من البلدين وصولاً إلى اتهامات من قبل الإتحاد المصري للرسميين الجزائريين بتسميم بعض لاعبي المنتخب المصري و أعضاء الجهاز الفني خلال تواجد المنتخب المصري في الجزائر لخوض مباراة الذهاب لتصفيات كأس العالم، إضافةً إلى الإتهام الذي وجّهته الصحافة الجزائرية لقوى الأمن المصرية بإعتدائها المتكرِر والوحشي على الجماهير الجزائرية خلال تواجدها في مصر قبل بضعة أيام لمؤازرة منتخبها في مباراة الإياب ضد المنتخب المصري ضمن تصفيات كأس العالم.
الإعتداءات المتكرِرة (من تحطيم واجهات و حرق إلخ...) من قبل بعض الجماهير في كل من البلدين على الشركات والمصالح التابعة لكل بلد و صولاً إلى تعرّض موظّفي هذه الشركات لمضايقات و ضرب علني، ادت إلى موجة تضامن وطني وتعصّب أعمى تجاه البلد الأخر في كل من الجزائر و مصر.
الكره أو الإزدراء الذي تضمره الشعوب العربية لبعضها البعض هو أمر ينسحب على مجمل شعوب الأقطار العربية ويتجلّى بشكل واضح خلال المباريات الرياضية التي تجمع منتخباتهم.
خروج جميع المنتخبات العربية من التصفيات المؤهلة لكأس العالم ممّا يعني أنّ شرف تمثيل الكرة العربية في المونديال هو محصورٌ فقط في مصر و الجزائر.
التمّني الأول و الأخير أن تبقى الكرة العربية حضارية وأن تعود الجماهير إلى قواعدها سالمة ولنتجنّب، ولو أنّ التشبيه ليس دقيقاً، ما حصل بين الهندوراس و السلفادور عام 1969 حيث أنّ مباراة كرة قدم أدّت أنذاك إلى معارك عسكرية استمرّت أربع أيام قُتل فيها حوالي أربع آلاف شخص معظمهم من المدنيين، وعُرفَت هذه المعارك فيما بعد بـ "حرب كرة القدم" وقد كانت من الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تعزيز السيطرة السياسية للعسكريين في البلدين وتشديد الخناق أكثر من ذي قبل على جميع المعارضين وزجهّم في السجون إلى ما لا نهاية.


* وهو أمرٌ لامسناه في لبنان خلال أواخر التسعينيات و بداية الألفية الجديدة مع فريق نادي الحكمة لكرة السلة حيث أقدم مناصروا الأحزاب المسيحية الذين كانوا يتعرّضون للقمع الشبه اليومي على أيدي النظام الأمني المخابراتي اللبناني السوري المشترك على مؤازرة فريق الحكمة المتفوِق لبنانياً، عربيا،ً وآسيوياً بشكلٍ جنوني و إطلاق الشعارات السياسية خلال المبارايات وشكلّت تلك المباريات مساحة "فش خلق" للأحزاب المسيحية و ساحةً للإعتراض على الوضع الذي كان سائداً.