Thursday, April 30, 2009

ببساطة.. اتفاق الطائف مدخلاً للإصلاح والتغيير

وائل عبد الرحيم

على أبواب الانتخابات النيابية في لبنان، تبدو صورة الدولة والوطن قاتمة، تنبؤ بمزيد من أزمات الحكم، بل باستحالة الحكم في ظلّ أيديولوجية الثلث المعطّل الفدرالية، ومن مشاريع فتنة أهلية في المستقبل، وتجعل أفق التغيير أضغاث احلام. ولأن حركة 14 آذار باتت من الماضي وتنتظر من يعلن دفنها رسمياً، فلا بدّ من تصويب النقاش ليطال صميم ازمة النظام السياسي اللبناني دون القفز بعيداً في الخطوات ودون لغة ثورية مغالية أثبت أصحابها قبل غيرهم كذبهم ورياءهم وخيانتهم القاسية لها.
فمن أين نبدأ، من اتفاق الطائف حيث انتهت الحرب الأهلية، وحيث كان يجب ان تبدأ مسيرة النهوض المؤسساتي والسياسي، نهوض لا شأن لممارسات رفيق الحريري في الاقتصاد (بشراكة النظام السوري والحلفاء السابقين) به، ولا تربطه علائق مع انتهازية ميشال عون وانتقاله غير المفاجئ من داعية السيادة الوطنية إلى مقرّر السيادة الطائفية، ولا يلتقي مع حقّ النقض الطائفي الذي أرساه حزب الله في لبنان.


تدعو بعض القوى السياسية اللبنانية المنضوية في "تحالف 8 آذار الماويّ الإسلاموي" إلى تعديل اتفاق الطائف.
طبعا لا تجرؤ هذه القوى على الإفصاح عن وجهة هذا التعديل إن هو إعادة لصلاحيات رئيس الجمهورية التي حدّدها الاتفاق ونقل معظمها إلى سلطة مجلس الوزراء مجتمعاً (وليس إلى رئاسة الحكومة كما يحلو للبعض ان يوهم)، او هو تعديل باتجاه الفدرالية التي يميل إليها البعض حتى في "تحالف 14 آذار التائه والمتحلّل" (مثل امين الجميّل)، او هو كما يبدو لي مواءمة بين سلطة الأمر الواقع الناتجة عن "حركة 7 أيار / مايو التصحيحية المسلحة" وبين مطلب الاستراتيجية الدفاعية فارغة المضمون.
وفي مقابل دعوات تعديل الاتفاق نجد الغالبية الغالبة في تحالف 14 آذار ترفض المسّ بالاتفاق انطلاقاً فقط من تمسكها بتوزيع الصلاحيات بين الرؤساء، او يظهر موقفها هلامياً لا وضوح فيه ولا رؤية.
تكفي قراءة سريعة لاتفاق الطائف لتبيان مدى التجني عليه من قبل طرفَي التحالفين الحاكِمَين المأزومَين.
وبترتيب النص الدستوري الميثاقي، ألاحظ ان:
دعا الطائف إلى "العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة من خلال الاصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي" فكانت ترجمة هذا الإصلاح على يد الحكومات المتعاقبة منذ 1990 وحتى اليوم رفض المسّ باي ركيزة من ركائز النظام المالي الريعي بل الإيغال في إضفاء طابع المافيوزية وخرق القانون على هذا النظام، واستغلال فاضح للسلطة من اجل تمرير القرارات المالية.
وقال الطائف بأن "لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، فيما الشرعية الثورية هي التي حكمت لبنان اولاً تحت شعارات العروبة المزيّفة، فنُفي من نُفي وسُجن من سُجن وأُقصيَ من أُقصي، افراداً وطوائف في المرحلة السورية، ثم قامت "سلطة الشعب" في وسط بيروت لتتوّج بـ"سلطة السلاح" في ايار 2008.. وكل ذلك لا يمتّ بصلة إلى العيش المشترك.
وقال الطائف عن رئيس مجلس النوّاب إن "للمجلس ولمرة واحدة بعد عامين من انتخاب رئيسه ونائب رئيسه وفي أول جلسة يعقدها ان يسحب الثقة من رئيسه او نائبه بأكثرية الثلثين من مجموع أعضائه بناء على عريضة يوقعها عشرة نواب على الأقل."، اما ماذا حصل؟ فلا هذا النص اعتُمد ولا وجد نصٌّ يحدّد سلطة رئيس المجلس النيابي المتربع على ما يبدو مدى حياته على كرسيه سعيداً غير قانع، يراقِب ولا يراقََب، يحاسِب ولا يحاسَب.
ويقول الطائف بان "الدائرة الانتخابية هي المحافظة.الى ان يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية"، فلا تمّ الالتزام بالمحافظة في يوم من الأيام (قُسِّمت محافظات وجُمعت اخرى واستُثينت مناطق ورُكِّبت أقضية على بعضها البعض)، ولا نية بإلغاء القيد الطائفي أصلاً.
وقال الطائف "يُزاد عدد اعضاء مجلس النواب الى (108) مناصفة بين المسيحيين والمسلمين"، فزادوها إلى 128.
وقال الطائف "مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية"، فلا انتُخب مجلس لاطائفي ولا استحدث مجلس شيوخ.
وقال الطائف "الغاء الطائفية السياسية هدف وطني اساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، وعلى مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية،"، فلا هذا صار ولا هذا صار ولا خطة مرحلية ولا من يحزنون.
وقال الطائف "الغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى"، ونحن نعرف إنه حتى حجّاب الجامعة اللبنانية وموظفو الضمان الاجتماعي يُعَيَّنون بحسبة الطوائف.. اما الكفاءة فمؤجلة حتى إشعار آخر.
وقال الطائف بـ"اعتماد خطة انمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالامكانات المالية اللازمة"، فكان جواب الحاكمين حرمان البلديات من اموالها والحجز على اموال الصندوق البلدي!
وقال الطائف يُشكل مجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء.. لكن رؤساء لبنان الكُثُر لا يزالون دون آلية محاسبة خلافاً لكل الأصول في "الجمهورية البرلمانية".
وقال الطائف "اصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي ويلائم حاجات البلاد الانمائية والاعمارية. واصلاح اوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية"، وكان ان فهمها قادة المحرومين ممن اصبحوا رؤساء أن إجعلوا الجامعة اللبنانية ساحة التوظيف والانتفاع الرئيسية.
وقال الطائف بـ"اعادة تنظيم جميع وسائل الاعلام في ظل القانون وفي اطار الحرية المسؤولة بما يخدم التوجهات الوفاقية وانهاء حالة الحرب"، فكان جواب الحاكمين تقاسم المحطات الإذاعية والتلفزيونية بين بعضهم البعض خلافاً حتى للقانون الذي شرّعوه هم في مجلس النواب.
وقال الطائف "يعاد تنظيم مخابرات القوات المسلحة لخدمة الأغراض العسكرية دون سواها"، والحال ان "سواها" كان الغرض الرئيسي للمخابرات العسكرية التي انشغلت بملاحقة الطلاب وضربهم وسجنهم.
وقال الطائف "حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذرياً" ولا يزال الحلّ هذا جار على قدم وساق تساوى فيه وليد جنبلاط في الجبل، وحركة امل وحزب الله في "وادي الذهب" (أو أبوجميل)، وتيار المستقبل في بيروت. ولا يزال صندوق المهجرين يدفع الاموال، ولا يبدو ان ملف المهجرين سيقفل قريباً.
وقال الطائف بالعمل على تحرير البلاد من الاحتلال الإسرائيلي، وهذا حصل، وقال الطائف بـ"التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949"، ولكن كل من يتحدث بهذا اليوم يخوّنه "تحالف 8 آذار الماويّ الإسلامي" المشارك في الحكم..
وكان الطائف نوّه في المقدمة أن لبنان "لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل". ولم يحترم حكّام لبنان شيئاً من كل هذا، وجلّ ما فعلوه خرقهم المتمادي والموثق الواضح للقانون، والدستور أسمى قانون في الدولة.
بعد كل هذا ياتي من يتحدث عن عقم الطائف وضرورة تعديله..
وياتي من يدعو لاستراتيجية دفاعية ما تكرّس واقع اللادولة في لبنان. ألا يرى هؤلاء ان في تطبيق الطائف وقيام دولة القانون والمؤسسات أفضل استراتيجية دفاعية يمكن ان تتمتع بها دولة ما؟
أم أن المطلوب، كل المطلوب، من جماعة 8 آذار، هو تحقيق نوع من الفدرالية الدفاعية والسياسية على طريقة "الدعويين" و"المجلسيين" في العراق (متحدري حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية)، وتحت مسميّات المقاومة، والاستراتيجية الدفاعية، والدفاع عن حقوق المسيحيين، ومنع توطين الفلسطينيين، والخ.. من الشعارات الكاذبة، وفي المقابل غياب اي وضوح في الرؤية حيال لبنان من جانب جماعة 14 آذار التي لم تخبرنا قواها السياسية ما موقفها من الطائف الأصلي وهل هي مع تطبيق البنود الإصلاحية فيه ام ماذا؟ وهي التي حتى الآن لم تجرِ أي عملية نقد ذاتي عن دورها في خرق القانون في المرحلة التي تلت الطائف، إلا تبريرها الرضوخ للسلطة السورية بالقول: وكنا مغلوبين على أمرنا.

Sunday, April 26, 2009

عن الستاند آب كوميدي في العالم العربي

خالد برّاج


تكثر في الآونة الأخيرة بين بيروت و دبي مروراً بعمَان الحانات و المقاهي التي تتباهى بتقديم عروض الستاند آب Stand-Up Comedy على غرار تلك الحانات الأمريكية و الأوروبية التي دأبت على تقديم مثل تلك العروض منذ عشرات السنين.

لا شك أنّ عروض الستاند آب هي محاولة لخلق جو فكاهي/ نقدي جديد على عالمنا العربي الحزين المكتظ بالأنظمة والقادة والجهل وزنازين الشعوب، ولعلّ بروز هذا النمط الفني/المسرحي الجديد في مدننا العربية يعود إلى الترويج له من قبل بعض المحطات والشبكات التلفزيونية الفضائية من خلال بث أبرز عروض الستاند آب في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، حتى أنّ شبكة شوتايم العربية قد قامت في الأمس القريب بإنتاج برامج وعروض متنقلّة خاصة بالستاند آب مستقدمةً ستاند آب كوميديين محترفين من الولايات المتحدة ممّا دفع ببعض الشباب العربي الى التمثُل بهم وخوض تلك التجرية من خلال بعض المقاهي التي شرعّت أبوابها لهؤلاء الشباب آملةً بذلك استقطاب جمهور متنوِع يبحث عن فسحة مرح في عالم عربي مليء بالسباب والشتائم والتخوين.

لكن لعّل خوض تلك المغامرة من قبل مجموعة من الشباب العربي ولا سيّما اللبنانيين والمصريبن و الأردنيبن بشكل خاص قد طرحت علامات استفهام كثيرة فيما يتعلّق بجودة ومحتوى العروض المقدّمة إلى غاية الآن، وإذا آخذنا بعين الاعتبار ابتعاد الستاند آب كوميدبين العرب عن أسلوب بعض أشهر الستاند آبس كريشارد براير و إدي مورفي لأسباب متعلّقة بمحرمات وطبيعة العالم العربي (السباب والشتائم على المسرح – التلميحات الجنسية – الانتقاد الديني – الانتقاد السياسي المباشر إلخ...) و الاعتماد بشكل واضح على أسلوب و واضيع تشبه إلى حدٍ ولو بسيط أسلوب جيري ساينفلد وبيل كوسبي وبيلي كريستل (أي الابتعاد عن المواضيع الجنسية الواضحة والسباب والشتائم المباشرة على المسرح) فإنّ محتوى العروض بشكل إجمالي هو إلى حدّ الآن أقل من الوسط و ذلك يعود لعدة أسباب / عوائق أهمّها التالي:

- إفتقار بعض الستاند آب كوميدين العرب إلى الموهبة وحس الفكاهة والدعابة رغم المحاولات التي يقومون بها خلال العرض والتي غالباً ما تبوء بالفشل لانّ الموهبة هي بالفطرة ولا يمكن إستحداثها بمجرّد أن يقرِر شخصاً ما خوض غمار الستاند آب كوميدي.

- استحضار النكتة اليومية إلى خشبة مسرح الستاند آب علماً أنّ المقصود والمعروف عالمياً أنّ الستاند آب كوميدين يستمدون مواد العرض من الأمور اليومية والحياتية حيث يقومون بعرضها مستخدمين أسلوباً نقدياً ساخراً، على أنّ إخبار النكت اليومية التي يتداولها الناس من قبل مجمل الستاند آب كوميدين العرب لا تمط بصلة إلى مفهوم و مبدأ الستاند آب كوميدي.

- محاولة تقليد أسلوب وطريقة الستاند آب كوميدين الاميركيين ممّا يسبِب بضياع العرض بشكل كلّي لاختلاف الجمهور وتفاوت المواضيع التي ما غالباً يحاول البعض نقلها من إطارها الاميركي الصرف إلى إطارٍ محلي ممّا يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى كارثة لعدم استيعاب الجمهور/ المشاهد العربي لها.

- الاعتماد على الغناء الفكاهي و الهزلي كمحاولة لكسر الجليد مع الجمهور ممّا يؤدي إلى ضيق خلق الجمهور لكثرة الغناء خلال العرض وافتقار كلمات ونص الأغنية إلى مقوِمات المعنى و السخرية الهادفة.

إنّ محاولات خلق مساحة للستاند آب كوميدي في عالمنا العربي هي محاولات جريئة وموضع احترام ممن يقدّر هذا النوع من الفن وهي بالنتيجة تغني الوسط الفني بوافدٍ جديد يقف على مسافة واحدة من السينما والمسرح والغناء و الشونسونيه، إلا أنّ تلك المحاولات معرّضة للفشل (ممّا يؤدي إلى فشل التجربة يشكلٍ عام) إذا ما استمرّت تلك العوائق في الظهور عند كلِ عرضٍ سواءاً كان الستاند آب لبنانياً، مصرياً أو أردنياً.

Friday, April 24, 2009

وليد جنبلاط والجنس العاطل

وائل عبد الرحيم


أخطأ البيك وليد جنبلاط بكلامه الذي تطرق فيه (مسيئاً) إلى إحدى الطوائف الكريمة في البلاد (الموارنة)، فوصفهم بـ"الجنس العاطل" في معرض حديثه عن تصرف مسيحيّي 14 آذار الانتخابي، وبالغ في الخطأ متهماً طائفة كريمة اخرى (السنّة) بالجبن.
أخطأ البيك، وكما يقال في بلد الشطارة والحذاقة، لبنان، "غلطة الشاطر بألف".
وأخطأ جنبلاط في تبريره "نقلته النوعية" من صفوف 14 آذار إلى استقلالية اكثر تمنحه هامش مناورة اوسع في خياراته السياسية خصوصاً بعد الاستحقاق الانتخابي الذي يخوضه متحالفاً على مضض على ما يبدو مع سائر مكونات 14 آذار.
إذا أردنا ان نعدّد اخطاء وليد جنبلاط بحقّ لبنان، فهي كثيرة جداً.. ليس أقلها انقلابه على تراث الحركة الوطنية اللبنانية ومشروعها منذ أن حطّت عباءة الدروز على كتفيه بعدما اغتال الجيش السوري الغازي "أحلام التغيير" في حرب السنتين (رغم الكوابيس التي رافقت هذه الأحلام).
لكن خطأ جنبلاط هو جزء من أخطاء "الوطن المزرعة" بحق أهاليه وساكنيه. هو خطأ بالمعنى المقبول في بلد الطوائف.
أقلنا ثقافة أو تعلّماً، إن أراد ان يقرأ كلام جنبلاط، سيدرك ان البيك المتزوج من "سنيّة" – خارقاً بذلك أكثر تقاليد طائفة الموحّدين الدروز تشدّداً -، والذي زوّج بكره ووريث زعامته تيمور (بيك أيضاً) لـ"شيعيّة"، كان يتحدث بالمعنى السياسي وليس بالمعنى العنصري. وإن كان في كلامه ما يثير الاشمئزاز فهو وقاحته في تفسير نقلاته وتحولاته حتى لو كانت هذه النقلات مبرّرة بمعايير مصلحة الطائفة الكريمة.
وإذ هو يتحدث عن رغبة قادة الطوائف الاخرين من سنّة ومسيحيين برؤية الاقتتال الدرزي الشيعي، نسي او تناسى أنه بمواقفه المتشنجة والداعية إلى الحسم في أكثر من مفصل كان الأكثر دفعاً نحو الاقتتال الأهلي، حتى قيل إن البيك الجنبلاطي يريد ان يحارب الشيعة بالدماء السنيّة في بيروت.
المؤلم في كلّ هذا تلك التبعية المطلقة التي يمنحها مواطنون لبنانيون، اتباع الطائفة الكريمة، إلى البيك في كل ما يقوله وما يفعله، تماماً كما يدين معظم أبناء الطوائف في لبنان بالولاء لسادتهم مهما فعلوا ومهما ارتكبوا من جرائم بحق سكان هذا البلد الجميل.
وما يثير الاشمئزاز اكثر من كلام جنبلاط هو التذكير بالحرب الأهلية من قبل صنّاعها الذين لا يأنفون الحديث عن ذبح الدروز للمسيحيين في الجبل خلال حرب الجبل، مرفقين هكذا تصريحات بإعطاء لقب شهيد لبشير الجميّل الذي أشرف على عملية الذبح الطائفي بالسلاح الأبيض في أول مجزرة جماعية شهدتها الحرب الأهلية في لبنان (السبت الأسود)، في اليوم نفسه الذي كان فيه والده الشيخ بيار يجري محادثات الإجهاز على الحركة الوطنية في دمشق مع حافظ الأسد.
من السهل جداً التذكير بالحرب الأهلية وبكمية الإجرام التي ارتكبها وضيعون نصّبناهم نحن مجتمع الطوائف أبطالاً وقديسين. من بين هؤلاء يا عاشقي صرخات الحرب المجنونة وليد جنبلاط وبشير الجميّل وغيرهم الكثيرون.
هؤلاء الذين يخرجون على منطق الحساب والمحاسبة لمجرّد ان الجماهير المُثارة تمنحهم حصانتها.
هذا بعض من خلاصة ما تفوّه به بيك المختارة المسكون بهاجس الانتقام لجدّه الأكبر الشيخ بشير جنبلاط، وبعض من خلاصة الردود عليه التي استحضرت فانتازيا الإجرام الحربي في همروجة الاحقاد الطائفية التي يشهدها هذا البلد..
إننا فعلاً إزاء "جنس عاطل".

Tuesday, April 21, 2009

'Body of Lies': Another misrepresentation of the Middle East

By Joseph El-Khoury


Watching ‘Body of Lies’(2008) was like watching an updated version of ‘Lawrence of Arabia’, except that the language is raw, the Toyotas had replaced the horses and Turkey is no longer a major player. Unfortunately the portrayal of the Middle East by film directors has barely evolved. While David Lean might have been excused in 1962, Ridley Scott’s vision smacks of laziness and repackaging. The narrative in blunt terms consist of: The Middle East is a hot and dusty place populated by a majority of semi ignorant and brutal individuals, mostly of the male variety. But even if we accept the usual Orientalist clichés as the only possible way for the Arab world to be represented in Western popular art, a number of puzzling elements still stand out in the scenario and the making of the movie. For these I am not sure whether to blame David Ignatius, the Washington Post ‘Middle East expert’ behind the book of the same name or Scott, who directed the movie. Again, the myth of the astute Westerner who blends into the local society by sporting a beard, learning the language and wearing traditional Bedouin garb is revisited. While Lawrence might have had a chance on a Camel, Leonardo emerging from a van to lure informers is far less convincing. Another interesting twist is that Agent Roger Ferris (DiCaprio) falls for a local woman and approaches her in a casual, almost callous manner, which must have gone against the Langley rule book. The woman in question is an unlikely character. The daughter of an Iranian exile, she works as a nurse in a Palestinian refugee camps. You get the sense that the character was designed to fit the actress (Golshiftheh Farahani) who originally hails from Iran. Her behaviour is even less likely. While she hesitates to shake the agent’s hand under the judging eyes of her neighbours, she happily chooses to sit with him in an open air popular cafe despite the stares of Arab manhood in the background. This uncomfortable attitude towards this culture is best exemplified by the choice of actors for indigenous characters. The main Arab ‘hero’ is Hani Salaam, chief of the Jordanian secret services, played by actor Mark Strong, born to an Italian father and Austrian mother (Wikipedia). Hollywood still struggles with fitting Arab actors to play central positive Arab roles. And while some Israelis are brought in to impersonate Arabs, every character played by an Arab actor (mostly Arab Israelis or North Africans) is either a villain or a victim. In terms of the broader lessons from the movie, the cavalier attitude of Ed Hoffman (good performance by Russell Crowe) is memorable. The Senior CIA operative is shown going about his middle class all American suburban life while organising targeted assassinations in Baghdad, destroying any illusion on the way the US behaves on foreign soils. I will not dwell on the plot since ‘Body of Lies’ is still a movie worth watching as adrenaline generating light entertainment, keeping in mind that the critics did find it quite predictable as a spy flick. But on every other count it is a forgettable enterprise, a bit like the Liberation of Iraq. It seems that those who advised Scott have much in common with those who advised Bush on the Middle East, resulting in a catalogue of errors.

Tuesday, April 7, 2009

Beirut (Live) Overdose

By Joseph El-Khoury


Beirut was brought to the East End of London last Sunday... that is if you believe the organisers of the event ‘Beirut Live’ held at the Vibe Bar in Brick Lane. The venue was funky enough and the crowd suitably dressed. There was no entrance fee, which is unusual for a people obsessed with exclusivity, and the event seemed to attract a mixed audience, from various generations and backgrounds. I suspect that Westerners in attendance would have had to know at least one Lebanese person, (not counting the head waiter at Maroush on the Edgware Road) since as far as I know Beirut is still yet to trigger sustained international interest.

I have to say that I have generally low expectations of events organised by Arabs for Arabs (yes the Lebanese are Arabs!). Having been to a few of these along the years I usually yawn past the speeches and mutual acknowledgment of greatness hoping for one glare of brilliance in the midst of a sea of mediocrity. Beirut Live was not different, except that brilliance was nowhere to be seen. Art was on display intensively promoted by Jana Zeineddine, our Cleopatra for the evening, and the ‘artists’ themselves. As I mingled around attempting to avoid the centrepiece of recycled cottage cheese tubs, I realised I was not the only one with a baffled look on my face. I felt relieved at the thought that my failure to connect with the abstract symbolism displayed on the walls was a shared response. While some photographs (Karen Kalou, Ayla Hibri) were pleasant enough to look at, the rest just did not deserve to be exhibited...anywhere...ever!

We soon moved to the show. The chosen theme of Beirut as opposed to Lebanon was very revealing. The artists and performers all come from privileged cosmopolitan background, having spent a significant amount for time abroad and having acquired lifestyles, behaviours and beliefs that have no relevance to the broader Lebanese reality. While this in itself is not unheard of in other societies. (I.e. London vs. the rest of the UK) presenting themselves as ambassadors of the suffering people of Lebanon was of bad taste. The proceedings kicked on with Zeina El-Khalil and her book. Reading one excerpt from ‘Beirut, I love you!’ she definitely showed an ability to combine words and syllables together in a striking manner. I was less sure whether it all made any sense on paper. The clichés of sex and death, love and war she introduced were explored ad nauseaum as the night progressed, despite the fact that many of the performers were still pre-pubescent by the time the real civil war (1975-1990) had ended. But if Zeina El Khalil’s only sin was melodrama the show went downhill from there. Nadine Khoury was definitely subdued with her brand of minimalist singing. She was not helped by the failing sound system and the apparent absence of any technical support. Her attempts at wooing the audience by asking them to shut up did not go well with some. You wouldn’t mind hearing it from a well established artist...but with all my respects to Miss Khoury, Amy Winehouse she isn’t! Mr Hibry was unnoticeable with his insistence on “going back” and a nihilistic performance. Mazen Zahreddine destroyed my hopes for a dawn of Lebanese stand up comedy. Frequently Blurting obscenities in a manic Shakespearean style he revisited the now abused theme of sex and death unconvincingly and worse...unamusingly. By the time the rapper Rayyes Beyk arrived on stage the mention of the word ‘Beirut’ was enough t make me sick and I decided to join some friends on a cigarette break although I don’t smoke.

Writing this piece was a painful exercise, since I am a proud Lebanese. But the Lebanon I am proud of was decidedly absent on Sunday night.

Monday, April 6, 2009

إلى الفنانة صباح

جمانة حدّاد
نشر في صحيفة النهار في 06/04/2009





يؤسفني بعد كل هذا، أن نكون مضطرين الى إبداء الرأي للدفاع عنكِ في وجه الظلامية والرجعية والتعصّب. هذا المجتمع وهذه الثقافة اللذان أثراهما فنّكِ طوال عقود، واللذان يدّعيان الانفتاح حين يناسبهما ذلك، و"المحافظة" حين تكون المحافظة أكثر تماشياً مع مصالح الساعة (وتحالفاتها)؛ هذا المجتمع وهذه الثقافة اللذان يفترض أن يفسحا لكِ لكي تكملي، الى ما شاء الله، الطريق، طريق الحياة الفردية الحرة، يفسحان بدلا من ذلك للعقل الظلامي أن يتجرأ عليكِ، في ما يتجرّأ، بإفتاء التكفير وإهدار الدم. ولولا خطورة المسألة، أي لولا وجود ما يكفي من "المجانين" ومغسولي الأدمغة في عالمنا التعس هذا، بما يجعلنا نأخذ تهديدات مماثلة بشيء من الجدية، لكان اعتراني الضحك، لفرط ما هي مسخرة.
ما هي القصة؟! كل ما في الأمر أنكِ تتحدثين عن حياتكِ الشخصية، وأنكِ تعيشينها وتفكّرينها وتقولينها، كما يحلو لكِ أن تعيشي وأن تفكّري وأن تقولي: بصدق، وعفوية، وشفافية. القصة كل القصة أن كل ما فيكِ وما أنتِ عليه، يتحدى خبث المجتمع الذي نحيا فيه، ويفضحه. أنت تقولين الحقيقة الفجّة (الحقيقة دائماً فجّة، وهنا دورها وقوّتها)، بينما الغالبية تحتاج الى وهم الأكاذيب المطمئن. المطلوب لديهم أن تكون القصص مكبوتة ومقموعة وسرّية ومحرّفة، وأن تعاد كتابتها وسرد وقائعها بما يتلاءم مع عذرية حارسي غشاء البكارة العربية، ليطمئن هؤلاء الى أن هذا الغشاء لا يزال سالماً من كل عيب ونقيصة. وإنه لمن الأشرف لنا ألا نغوص هنا في مفهومهم الفاسد، التافه والسطحي، للعيب والنقيصة.
لستُ في وارد الدخول في ما يشكل حياتكِ الشخصية، وخصوصاً منها ما يتصل بشغف العيش والزواج والطلاق والعشق والإخلاص والخيانة، فهذه مسائل شخصية، وما وصل منها الى الرأي العام، ليس لأحدٍ أن يكون صاحب رأي فيه، ولا ديّاناً. إنها حياتك، حياتك فحسب. هي ملككِ، ومسؤوليتكِ، وخياركِ أنتِ. أنتِ حصراً، ولا دخل لآخر فيها على الاطلاق. ليس مطلوباً منكِ أن تشرحي، ولا أن تسترضي، ولا خصوصاً أن تبرّري.
أما "موظفو" حراسة غشاء البكارة العربية وموظفاتها (يتواطأ مع هؤلاء، يا للعجب والسخرية، بعض "المثقفين" والأكاديميين والفنانين والكتّاب)، فإنْ هم سوى موظفين فاشلين في عقليات ظلامية وإرهابية وقامعة فاشلة، وينبغي إحالتهم، وإحالة المتواطئين معهم، على التقاعد.
• • •
وأسأل: ترى لو كانت صباح رجلاً، وقال ما قالت، فهل كان قامت القيامة على كلام هذا الذكر "الفحل"، وهل كانت تمّت الدعوة إلى تكفيره وإهدار دمه؟ هيا، افترضوا معي أن رشدي أباظة مثلا، رحمه الله، هو الذي أدلى باعترافات مماثلة على العلن. ماذا كانت لتكون النتيجة يا ترى؟ إسمحوا لي أن أجيب: لكانت ازدادت شعبيته بين الناس، من القاهرة إلى بيروت، ومن الرياض إلى دمشق. لاعتبره الرجال "عنتراً" ومثالاً يحتذى، ولابتسمت النساء بمكر عند ذكر اسمه واشتهينه سرّاً. أقصى ما كان يمكن أن يقال، تعليقاً على فضائحه: "يا له ازعر مهضوماً!".
بربّكم كفى هرطقة، وكفى هراء، وكفى معايير مزدوجة. كفى استضعاف للنساء واستخفاف بحرياتهنّ: من جانب بعض الرجال، والأفدح، من جانب بعض النساء أنفسهنّ، هنّ و"جمعياتهنّ" البائتة التي تزعم الدفاع عنهنّ وعن حقوقهنّ، ولا تفعل غالباً سوى مواصلة العقلية البطريركية المتحجّرة.
هؤلاء "العسكر" يدافعون عن العفّة، والعفّة منهم براء. يدافعون عن القيم، والقيم منهم براء. يدافعون من جهنّمات عقولهم ونفوسهم وأجسادهم المريضة والمعقّدة، عما يجرؤون على تسميته بالشرف والكرامة والأخلاق، ملوّحين بحجة "حماية عاداتنا وتقاليدنا وأجيالنا الشابة"، في حين أنهم يتعامون عما يجري على شاشات التلفزيون، وعلى مواقع الانترنت، وفي السهرات، وداخل الغرف المغلقة، ولا يفهمون من الشرف والكرامة والأخلاق سوى "ذَنَبها". أي ما هو ظاهر منها فحسب.
مَن أنتَ يا هذا، مَن أنتِ يا هذه، لتقرّرا نيابةً عن كلٍّ منا كيف يريد أن يعيش حياته؟ سارقو الحياة الشخصية، أنتما وأمثالكما، سارقو حرياتنا الفردية والمدنية (حرية العيش، حرية الخيار، حرية التعبير...)، سارقو الدين ومشوِّهوه وقاتلوه. وسارقو الثقافة ومشوِّهوها وقاتلوها. وسارقو المستقبل ومشوِّهوه وقاتلوه. وسارقو المدنية ومشوِّهوها وقاتلوها. وسارقو التراث النيّر ومشوِّهوه وقاتلوه. وهلمّ.
أكرّر: أنتم سارقون. ومشوِّهون. وقاتلون. وفوق هذا كلّه: أغبياء. ولعلّ هذه الطامة الكبرى.
• • •
قد يقول قائل إني أتحدث عن مهاجمي الفنانة صباح، لكني أعني سواهم، بناء على المثل: "احكي يا جارة لتسمع الكنّة". وهنا أردّ بالفم الملآن: أنا أعني الجارة والكنّة على السواء. أعني هؤلاء الظلاميين الذين يتكاثرون كالفطريات، وبتنا نعثر على أشباههم في كل مكان، وفي كل مسألة. نفوسهم طفيلية، قلوبهم طفيلية، عقولهم طفيلية، وأجسادهم طفيلية. ولا قدرة لهم على العيش إلاّ كطفيليات. من شيمهم تشويه كل شيء حرّ، وخلاّق، وجميل، وخارج على سرب التفاهة والنفاق والازدواجية، لمصادرته، وإلغائه. وإذا استطاع أحدٌ من الناس أن تنمو حريته، وأن يشعّ خلقه وجماله، أطلقوا العنان للحقد، والحسد، والنميمة، وحملات التشويه والتنكيل، لتدمير هذين الحرية والجمال الخلاّق.
لهؤلاء جميعاً أقول: عندنا أن الله هو الديّان ويدين مَن يشاء. ثم عندنا آية عيسى المسيح: لا تدينوا لئلا تدانوا. وأقول: لو نظر البعير الى حدبته لانكسرت رقبته. وأقول: كعادتكم ترون القشّة وتتعامون – قصداً - عن العمود. وأقول أيضاً، بل أقول خصوصاً: حلّوا عنّا. اتركوا صباح لحياتها الشخصية، واتركوا حرياتنا وخياراتنا وقراراتنا لنا. فمَن بيته من زجاج وكذب وخبث ونفاق، لا يرشق بيت صباح، ولا بيت غيرها، بحجر.

روابط ذات صلة:
القبس
الراية
ارابنيت5

Friday, April 3, 2009

قوانين الطوارئ غير المعلنة في دول العالم الحرّ

وائل عبد الرحيم


حفلة الجنون التي انطلقت في العالم بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، لم تقتصر طبعاً على سلسلة الحروب المنهجية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على عدد من دول العالم، أو على تصنيفها أمم العالم وحكوماته بين دول محور شرّ واخرى خيّرة وما بين ذلك وفقاً لتجاوب هذه الحكومات مع الأجندة الأميركية، بل تعدّت ذلك إلى تشديد قاس للرقابة على الحريات الفردية والسياسية في العالم، بدءاً بأميركا نفسها مروراً بدول الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى الدول المسمّاة نامية.
هذا ما أنتج عشرات قوانين مكافحة الإرهاب وتعديلاتها التي كانت نتيجتها الاولى تراجعاً في الحريات العامة وإدخال الرقابة إلى مجمل دوائر العمل العام وحتى الحياة الخاصة للمواطنين.

وبالحديث عن الولايات المتحدة وقوانين مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي ولوائح المشتبه بهم التي تضمّ مئات آلاف الأشخاص الذين لم يصدر بحقهم حكم واحد يدينهم او يجرّمهم بل هم مجرد مشتبه بهم، فقد استطاعت إدارة الرئيس السابق جورج بوش ان تحوّل هذا البلد إلى سجن كبير مراقب بشكل محكم.

تكفي الإشارة إلى لائحة المراقبة التي تعدّها إدارة امن النقل في الولايات المتحدة الأميركية Transportation Security Administration TSA والتي تثير جدلاً في الأوساط الأميركية ولا سيما الصحافية وبين جماعات حقوق الإنسان والحريات المدنية.

فهذه اللائحة السابقة على احداث 11 سبتمبر تضخمت بعد هذا التاريخ وانطلاق "الحرب على الإرهاب" لتشمل اكثر من مليون شخص داخل وخارج الولايات المتحدة بمعدل زيادة 20 الف اسم شهرياً. _تضخمت اللائحة من 158 ألف في العام 2004 إلى 754 ألف في مايو / ايار من العام الماضي – USA Today-. وفي حين ان الـ FBI ومسؤولين حكوميين يقولون إنها تضم فقط 400 الف اسم بل إن مسؤولاً في TSA هو كيب هاولي يقول إنها لا تضم أكثر من 50 الفاً، إلا ان القضية تبقى المعايير التي يتم على اساسها إدارج الأسماء والتي اقل إجراء متخذ هو منعها من السفر او ركوب الطائرات. وتُتخذ هذه الإجراءات دون أي مذكرات اتهام يوجّهها القضاء بل عبر اقنية امنية بحتة. وغالباً ما يتم إدراج اسماء مرموقة على هذه اللائحة.

هذا غيض من فيض في اميركا لكنه يشير إلى الاتجاه الذي كان طاغياً في المرحلة السابقة، والذي لن ينهيه قرار باراك اوباما إغلاق معتقل غوانتنامو على اهمية هذا القرار.
وفي اوروبا، ليست الصورة بأفضل كثيراً، فقد سبق لمحكمة العدل الأوروبية أن وجّهت تحذيرا للاتحاد الأوروبي لتجاهله كفالة حقوق المتهمين في قضايا تتعلق بالإرهاب وحرمانهم من حق الدفاع عن أنفسهم. وقررت المحكمة أن المتهمين الواردة أسماؤهم في اللائحة السوداء للأمم المتحدة، لهم حق الاستئناف لنقض الحكم أمام محكمة أوروبية. كذلك صدر تقرير عن مركز شاتهام يشير إلى انه أنه ومنذ 6 سنوات وحتى الان لم تنجح الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي في إرساء معايير مشتركة ومقبولة وعادلة للتعامل مع المشتبه بتورطهم في الإرهاب. ويشير التقرير إلى ان الاتحاد الأوروبي وضع لوائح سوداء للمشتبه بهم بمعزل عن الأمم المتحدة. كما يعتبر التقرير ان الطريقة التي وضعت بها اللوائح تخالف المعايير المعتمدة في الاتحاد الأوروبي للعدالة.

وإلى لوائح مراقبة الإرهاب التي نسفت القاعدة الأساسية في العدالة وعاقبت على النيات واخذاُ بالشبهات، (في ما يشبه تطبيقاً للأحكام العرفية والطوارئ)، عمليات الترحيل القسرية للمهاجرين واللاجئين السياسيين، فقد نبّه تقرير لمنظمة العفو الدولية صاتدر في يونيو / حزيران 2008 إلى أنه لم يُتخذ أي إجراء يحول دون مزيد من المشاركة الأوروبية في عمليات الترحيل والاعتقال السرية، ودعا إلى إجراء تحقيقات مستقلة بصورة عاجلة.

ويلقي تقرير منظمة العفو الدولية "حالة الإنكار: دور أوروبا في عمليات الترحيل والاعتقال السرية" مزيداً من الضوء على حجم الدور الأوروبي في برامج الترحيل والاعتقال السرية الأميركية، وعلى استمرار تقاعس الدول الأوروبية عن الاعتراف بالانتهاكات التي ارتكبها مواطنوها أو ارتُكبت على أراضيها، أو إجراء تحقيقات فيها.

وقالت منظمة العفو الدولية إن "الحكومات الأوروبية تعيش حالة إنكار وما فتئت تتحاشى الحقيقة لمدة أطول مما يجب"، وأضافت "إن مشاركتها في عمليات الترحيل والاعتقال السرية تتعارض بشكل صارخ مع مزاعمها بأنها جهات فاعلة تتحلى بروح المسؤولية في الحرب على الإرهاب".

وفي بريطانيا يدور جدل بشان مشروع قانون يصنّف المتطرف لا ارتكازاً على أفعاله فحسب او على نيات جرمية وإنما على معتقداته التي من ضمن ما تشمل اعتبار شخص ما متطرفاً إذا كان يؤيد العمل المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما حدا بمسؤولين سابقين في اجهزة الاستخبارات البريطانية إلى التحذير من مخاطر هذه السياسة الأمنية التي لن تجلب الأمن إلى بريطانيا إذا استمرت في تجاهل الدوافع الحقيقية للعنف، خصوصاً ان قانون مكافحة الإرهاب البريطاني مع كل التعديلات التي طرات عليه والتي اجازت التوقيف الاحتياطي لمدد تطول بحق مشتبه بهم قد عدّ انتهاكاً جديداً لحقوق الإنسان.

وفي سياق آخر ولكنه متعلق، حكمت المحكمة العليا في الدنمارك أخيراً على ستة دنماركيين بالسجن لبيعهم قمصانا لصالح القوات المسلحة الثورية في كولومبيا (فارك) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المدرجتين على قائمة الاتحاد الاوروبي للمنظمات الارهابية، مع العلم ان الجبهة الشعبية مثلاً ممثلة في السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتعامل معها الاتحاد الأوروبي بصفتها شرعية، ولديها نواب في المجلس التشريعي، وهي توقفت عن ممارسة العمل العنفي خارج الأراضي المحتلة منذ اكثر من ثلاثة عقود على الأقلّ. المحكمة ارتكزت ضمن ما ارتكزت على تقارير لمنظمتين حقوقيتين عالميتين هما هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تعتبر ان المنظمتنين المذكورتين قامتا بأفعال إرهابية.

مهما كان من امر هذه الإجراءات والسلوكيات التي ينتقدها المدافعون عن الحريات المدنية واالناشطون السياسيون في الغرب، وبمعزل عن الرؤى المسطّحة والبيروقراطية لبعض كبريات جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الأكيد هو أنها تؤشر على مدى الضرر الذي الحقته الحرب على الإرهاب بحق الديمقراطيات الغربية والتشويه الذي اصاب مفهوم القانون في الغرب بحيث اصبح من السهل تطويعه لكي يتم تحت ستاره ارتكاب ما كان يعتبر في السابق من المعصيات.

وإذا كان باراك اوباما مثّل بالنسبة للكثيرين من حمائم الديمقراطية الغربية نهاية كابوس حقيقي هدّد أفكارهم يوماً ما، فإنه ربما على هؤلاء قبل غيرهم ان يلتفتوا إلى حقيقة ان السياسات التي اورثتها حقبة الحرب على الإرهاب لا تزال قائمة بل هي تشتد وتطال باسم هذه الحرب حقوق المهاجرين والمواطنين على حدّ سواء في الدول الغربية.