Monday, June 30, 2008

في ذكرى كلود سوتيه : مخرج الواقع اليومي

The article that follows is the first contribution of Khaled Barraj to Arabdemocracy. Khaled is Lebanese and is based in Saudi Arabia where he works as a training specialist for a major media firm in the field of Pay TV. His broad cinematographic culture and interest in the history of the 7th Art qualifies him as an amateur film critic. We hope that you will enjoy reading his insight into this fascinating industry that has shaped popular culture like no other.


Arabdemocracy


خالد براج


تعود ذكرى وفاة المخرج والكاتب السينمائي الفرنسي كلود سوتيه هذه السنة لتحيي الجدل الجديد-القديم القائم بين معظم العاملين في قطاع السينما في فرنسا حول توصيف أعمال المخرج القدير، ومن خلالها وضع حد لسوء التفاهم الناجم عن وصف كلود سوتيه بمخرج برجوازية "السبعينات" الحزينة من قبل بعض النقاد.

على عكس التيار السينمائي الذي ساد في أواسط الستينات وبداية السبعينات والمتمثل بأعمال مخرجي "الموجة الجديدة" كـ فرنسوا تروفو وجان لوك غودار وإريك رومر وغيرهم، فإن كلود سوتيه إختار لنفسه نمطاً مغايراً تماماً وجنح نحو وصف علاقة الفرد البرجوازي و" شبه البرجوازي" بمحيطه وأصدقائه. قام سوتيه بذلك من خلال الإعتماد على عنصر أو حادثة معينة في النص السينمائي اعتبرها كفيلة بإبراز مشاكل هذا الفرد مع نفسه ومع محيطه الحالي والواقعي (على غرار مخرجي "الموجة الجديدة" الذين إعتمدوا ولجأوا في بعض الأحيان إلى مع يعرف بالفانتازيا).

لم تشد سوتيه إبداعية وثورية "الموجة الجديدة"، بل ظل محافظاً على بعد كلاسيكي طوره من خلال وصفه لقصص رومانسية معقدة أو مستحيلة تتلاقى في ذروتها مع شخصية الفرد البرجوازي المثقل بهمومه اليومية، وصولاً إلى نقد ولو عرضي لمجتمع فرنسي بدأ يخرج من المواجهة الديغولية / التغيرية أو الإنتظامية/الفوضوية-الثورية (خلال الستينات وبداية السبعينات)، إلى نوع من تطبيع مجتمعي جديد وغامض بدأت ملامحه تظهر في انكفاء الموجة الجديدة من جهة، وعدم العودة إلى كلاسيكيات الخمسينيات من جهة أخرى.

كانت فكرة سوتيه في بداية أعماله بسيطة جداً ونكاد أن نقول أنها تمثلت بوصف لمرحلة ما بعد هذا الحلم أو الأمل التغييري الذي لم يحصل. فقد تطرق المخرج الى تخبط الفرد بشكل عام من خلال تصوير حيرة وشكوك وخوف الفرد البرجوازي في مجتمع السبعينيات. وتجدر الاشارة الى ان العلاقات الغرامية الصعبة الكامنة في اساس أعمال سوتيه، تتشابك مع الإفلاس والفشل كما في (Vincent, Francois, Paul et les Autres)، وتتجلى في حالة هوس تصل إلى حد الجنون كما في (Cesar et Rosalie)، أو ترسم حيرة رجل ضائع بين امرأتين - أو كما يحلو للبعض بين مجتمعين

في (Les Choses De La vie).

بشكل عام فإن أعمال سوتيه في بداية السبعينات ومنتصفها تتضمن نقداً مبطناً لمجتمع أصبح استهلاكيا شيئاً فشيئاً. مجتمع أصبح يضيق حتى على أعناق رموز البرجوازية ويخنقها كالطبيب والكاتب والصناعي
(من
Les Choses De La vie إلى Mado). من تلك النقطة يكمل سوتيه تلك اللوحة الوصفية في مجمل أعماله خلال السبعينات ليعود ويضيف إليها في أعمال الثمانينات والتسعينات شيئاُ من السكون المشهدي، من النظرات المعبرة ومعضلة التلاقي والتفاهم بين الأجيال المختلفة كما فعل في (Un Mauvais Fils; Nelly et Monsieur Arnaud).

يصح القول بأن العنصرين الأساسيين في كل أعمال سوتيه يندرجان في وصف دقيق لأفراد وأشخاص يشعرون باستياء داخلي لا يستطيعون تحديده أو تعيينه - هل هو الشعور بالاستياء من الحياة؟ - ونقدٍ مبطن لمجتمع لا يزال يبحث عن هوية ما في دينامية النموذج الإستهلاكي القاسية، ليس فقط للطبقات الأقل حظاً، بل أيضاً للبرجوازية الميسورة التي تقع في صميم الدورة الإستهلاكية اليومية وتعتبر صمام المجتمع الفرنسي الحديث.

إن الجدل حول أعمال سوتيه لا يزال قائماُ إلى حد الآن. ولا يمكن إنصاف هذا المخرج المبدع الا من خلال الإعتراف بأهمية أعماله في السينما الفرنسية المعاصرة ومن خلال الإبتعاد عن التصنيفات غير المجدية والفارغة من أي نقدٍ بناء.

اعمال كلود سوتيه جعلت منه اليوم نهجاً سينمائياً يفتخر بعض المخرجين المخضرمين والشباب مثل أنيس جاوي وميشيل دوفيل وسيدريك كلابيش وغيرهم بالإنتماء إليه.

No comments: