في التاريخ الأول قررت حماس ان تقطع مع مفاوضات حكومة الوحدة الوطنية فتستولي لوحدها على السلطة ثم تساوم على حكومة وحدة أكثر توازناً. فانتهكت حرمة الدم الفلسطيني، وقتلَ السلاح الحمساوي مئات الكوادر والناشطين، واندلعت حروب الشوارع، وسيطرت مجموعات "التنفيذية" و"كتائب القسام" على مدن القطاع ومخيماته. وصارت غزة إمارة "مستقلة ذاتياً".
وفي 8 أيار تذرّع حزب الله بقرارين (ملتبسين حقّاً) لم يدخلا أصلاً حيّز التنفيذ لينقضّ على بيروت ويسقطها أمنياً و"يفتح" طريق الشام ويحاصر أعالي الشوف والجبل.. واعلنت السلطة استسلامها وقبلت بشروط الحزب ونسب تمثيله في الحكومة، بعد "حياد" رئاسي قررته قيادة الجيش.
لست أناقش هنا ترابط هذا المسلسل ضمن ما اصطُلح على تسميته بالمحور الإيراني السوري، وقد تكون التسمية محقة.
لكن هنالك ما يجمع التاريخين غير هذا، وهو اختلاف النظرة إلى الوحدة الوطنية لدى الفصائل الإسلامية في المقاومة، وخصوصا حماس وحزب الله.
بعيدا عن صراع شيعي – سنّي وخلافه، اثبت هذان الفصيلان انهما لا يقيمان اعتباراً حقيقياً للوحدة الوطنية إلا بقدر ما تقترب من حدود التماثل.
في التاريخ الحديث للمقاومة الفلسطينية خصوصاً تجارب عديدة يمكن من خلالها التمييز بين سلوكين في الممارسة لدى ابرز فصائل العمل الوطني.
في منتصف الثمانينيات ايضاً، وقبل ان تخرج حماس إلى الناس حركة مقاومة، وحينما كان الراحل ياسر عرفات غارقاً في تنازلات واتفاقات منفردة من اتفاق عمّان الملغى مع الملك حسين إلى العلاقات المرمّمة مع النظام المصري المعزول آنذاك، شنّت سورية عبر ادواتها اللبنانية حرباً على المخيمات الفلسطينية في لبنان تحت عنوان تطهيرها من النفوذ العرفاتي.
آنذاك، رفضت الجبهتان الشعبية والديمقراطية (وقيادتاهما المركزيتان في دمشق)، الانجرار إلى ما عجزت عنه مجاميع أبوموسى واحمد جبريل (اي تحويل هذه الحرب إلى فلسطينية – فلسطينية)، ورفعتا شعار الوحدة الميدانية دفاعاً عن المخيمات وعن المجتمع الفلسطيني.
لم يعنٍ لـ"الشعبية" وقتها ان تكون جزءاً من "جبهة الإنقاذ الفلسطيني" لكي تصمت، إعلامياً على الأقل، عمّا كان يجري من مذبحة وهرطقة، وتحركت مركزيتها "الهدف" للتنديد بالعدوان.
كلّف هذا الموقف "الشعبية" ثمناً ما، سيلاً من الشتائم تكفّل بها "اليسار المتطرف" للبعث وأمل (رابطة الشغيلة مثلاً)، واتهامها بالانتهازية والجنوح إلى اليمين وما إلى ذلك.
انتهت حرب المخيمات عام 1987 مخلفة دماراً هائلاً، لكنها لم تترك تأثيراتها على وحدة الفلسطينيين. بدأت الحرب بخرق عرفات للإجماع الوطني الفلسطيني، حتى داخل فتح، وانتهت باستعادة فتح إلى برنامج الحدّ الأدنى المقبول.
ورغم "تطهير" مخيمات بيروت من منازلها ومن "العرفاتيين"، بقيت العرفاتية هتافاً جماعياً وهمساً صباحياً ومسائياً لفسطينيي المخيمات بمختلف انتماءاتهم (رشوا الميّ على الصفصاف عرفاتية وما منخاف!)... وحافظت منظمة التحرير الفلسطينية على وجودها ككيان سياسي وتاريخي وبصفتها "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني".
في السنة التي انتهت فيها حرب المخيمات في لبنان، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، واتخذت لها "القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة". شكّلت هذه القيادة التي اقترحتها "الشعبية" إطاراً قاعدياً وحدويا جمعها إلى فتح والديمقراطية والشيوعي الفلسطيني (الشعب حالياً) وفصائل المنظمة الأخرى، وقاد الانتفاضة الاولى من 1987 حتى 1990.
وحّدت الانتفاضة القوى الفاعلة والمؤثرة، وكان "العرفاتي" يواجه الاحتلال الإسرائيلي في رام الله، وفصائل البعث السوري من أمل وأبوموسى في صبرا وشاتيلا والبداوي والبارد و"الجليل – بعلبك".
وفي الفترة نفسها التي كان الاستئصاليون الفلسطينيون فيها ضعفاء وعاجزين في الداخل المحتلّ، كانت المقاومة الوطنية اللبنانية تُلغى في لبنان، ويستعاض عن وحدة البندقية المقاومة، بالأحادية.
هو اختلاف بين مفهومين ونظرتين إلى الوحدة الوطنية والشراكة الوطنية.. والتاريخ لا يعيد نفسه.. للأسف.
No comments:
Post a Comment