Saturday, June 6, 2009

في 7 حزيران.. الشاطئ اللبناني ينتظر من يحرّره

وائل عبد الرحيم
الأحد 7 حزيران / يونيو يوم مشمس وجميل في لبنان، يمكنك أن تستيقظ صباحاً وانت تخطّط لقضاء نهار هادئ تسترخي فيه وتستمتع بحرارة الأجواء تحت سمائه الصافية.
وربما تفكّر يا صديقي المواطن أن تذهب إلى الشاطئ حيث تتوفر هنالك فرصة الابتعاد عن ضجيج الماكينات الانتخابية والشعارات التي تحتل مساحاتها الكبيرة على الطرق، ومكبرات الصوت الصادحة بالأغاني والأناشيد ذات الألحان الواحدة والكلمات الرديئة.. وكذلك تبتعد عن غابة الألوان التي جعلت من بلدك كارنفالاً بشعاً وصاخباً.
وربما تمارس حقك الانتخابي فتقترع في مسقط رأس جدتك التي تبعد نحو 100 كلم على الأقل عن مكان سكنك منذ طفولتك (و"عقبال" أن يمارس أحفاد المهاجر اللبناني الأول في القرن التاسع عشر حقهم الانتخابي في ريو دي جينيرو حفاظاً على التوازن الديمغرافي في بلد شربل خليل)، أو قد تقرّر مقاطعة الانتخابات اقتراعاً تعبيراً عن موقف شخصي او سياسي الخ..
لا يهمّ، فالمهم أنك في منتصف النهار، قد تتمكن من بلوغ الشاطئ اللبناني لتقضي بقية الوقت هناك لاعباً سابحاً مستلقياً آكلاً شارباً راقصاً او ببساطة نائماً.
كل ذلك ممكن، لولا أن مشكلة قد تعترض خياراتك وتجعلك في حيرة من أمرك بعض الشيء.
هذا لأنه يا عزيزي، وُجد على مدى 30 عاماً من تاريخ "لبنان الأخضر الحلو" من صادر مساحات واسعة من الشاطئ اللبناني وحوّله إلى ملكيات خاصة متعدياً بذلك على حقك الطبيعي في الترفيه المجّاني. هذا الأمر سمّاه السياسيون المحليون "ملف المخالفات البحرية". ومنذ انتهاء حرب لبنان في 1990 لا يجد طريقه إلى الحلّ لا بـ"تسوية المخالفات" كما يطرح السياسيون أنفسهم، ولا بقمع هذه التعديات وإزالتها وتجريم أصحابها كما يجب ان يكون الحال فيما لو طبّق قانون الجمهورية اللبنانية.
لكن مهلاً، لا تدع الأفكار تأخذك بعيداً.. ليست هذه "المخالفات" على الأملاك البحرية كما يحلو للحكومات المتعاقبة تسمية ملفاتها الموضوعة في الأدراج، نتاج الوصاية السورية! وهي قطعاً ليست جزءاً من مؤامرة توطين الفلسطينيين في لبنان، ولا إحدى تجليات المشروع الإيراني في المنطقة.
كذلك فلتأخذ نفساً قبل ان تحكم على الأمور، ليس حرمانك من الشاطئ موضوعاً على أجندة الامبريالية الاميركية ولا خطّط له جاك شيراك حينما كان القرار 1559 يُصاغ بين باريس وواشنطن ونيويورك، ولا علاقة له بالخلافات بين جناحي 14 و8 آذار.

بالأرقام: سياسيو 8 و14 آذار ابطال التعديات على الشاطئ
يشير تقرير لوزارة النقل اللبنانية قُدّم إلى إحدى اللجان البرلمانية في أواخر التسعينيات إلى 1465 تعدياً على الأملاك البحرية موزعة على طول الشاطئ اللبناني، فيما تشير تقارير أخرى إلى أن عدد التعديات يفوق الألفين.
وهذه التعديات هي مشروعات استثمارية أُشيدت على الشاطئ خلال الحرب الأهلية والسنوات التي تلتها، وكلها تمت خلافاً للقانون وعبر وضع اليد أو من خلال قرارات وزارية غير قانونية أيضاً، اما المرخّص بشكل ملتبس منها فيدفع أصحابه رسوماً سنوية شبه رمزية.
العدد الكبير من هذه التعديات مسؤول عنها سياسيون نافذون من فريقي 8 و14 آذار ومنهم الوزير السابق ميشال المرّ، وورثة الوزير السابق بيار فرعون ولديه مستودعات لـ"شركة غاز الشرق" ورئيس مجلس النواب نبيه بري ويملك سنسولاً في منطقة اليهودية بصيدا، وشفيق الحريري ويملك شركة جيتيكو في منطقة الوسطاني بصيدا.. وكذلك تضاف إليهم أسماء كثيرة لحظتها دراسة لمديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني ومن هؤلاء الجماعة الإسلامية، والكتائب اللبنانية، وشركة سوليدير، وفريد مكاري، وعلي عسيران، ومصطفى الحريري، ومصباح الأحدب، وعلي الأمين، ويوسف كنعان الخ..
لقد مارس السياسيون في لبنان كل الضغوط الممكنة ليس فقط لمنع نقاش جدّي بشأن التعديات التي سمّوها مخالفات، بل إنهم عرقلوا في عام 1994 مشروع قانون لحماية عمق 60 متراً من الشاطئ الذي لم يُغتصب بعد، وذلك على ذمّة عبدالله زخيا المناضل البيئي من عمشيت الذي صرّح ان رئيس لجنة الإدارة والعدل آنذاك النائب الراحل اوغست باخوس اسرّ إليه بوجود ضغوط من داخل مجلس النواب وخارجه لعدم تمرير القانون.
زخيا نفسه، وفي حديث صحافي، يقول إن لبنان هو البلد شبه الوحيد في المنطقة الذي يُغتصب فيه الشاطئ بهذه الطريقة، فقبرص التي شهدت حرباً اهلية لم يتعدّ فيها السياسيون على الشاطئ، والشاطئ في إسرائيل حرّ ومفتوح امام العامة (دون ان ننسى الإشارة إلى ان أراضي إسرائيل كلها مصادرة من سكانها الأصليين).
كان القانون اللبناني واضحاً في تجريمه التعدي على املاك عمومية (تعديات وليست مخالفات!)، وينقل تحقيق نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية (27 آب 2008) عن المادة 73 من قانون العقوبات اللبناني أن "من يستولي من دون مسوّغ شرعي على عقار أو قسم منه بقصد السكن أوالإشغال أو... يعاقَب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مالية"، و"ومن الحالات التي تقتضي العقوبة وفقاً للمادة 257 استمرار المتعدّي بوضع يده على العقار أكثر من شهرين".
ويبدو ان المبالغ التي يمكن للخزينة اللبنانية أن تحوزها جرّاء "تسوية" هذا الملف أو قمع التعديات ببساطة - وهو الأمر الي يجب أن يتم احتراماً لحق الإنسان في لبنان - يمكن ان تصل إلى مليارات الدولارات.

البرامج الانتخابية للمرشحين والشاطئ
من الطبيعي أن تخلو البرامج الانتخابية للقوى الكبرى المتصارعة في انتخابات الأحد 7 حزيران من أي إشارة إلى ضرورة استعادة الأملاك البحرية العمومية وقمع التعديات عليها، ذلك لأن الجميع بلا استثناء من المعسكرين المتطاحنين شركاء في هذه الجرائم، بل إن البعض يخطّط لشرعنة المزيد من التعديات وتشويه الشاطئ عبر الجزر السياحية المطروحة والاستثمارات المنفلتة من عقال المصلحة العامة.
الشاطئ اللبناني هو المثال الأكثر تعبيراً عن الوقاحة التي وصل إليها سياسيو هذا البلد الذي يتغنى بعضهم بالاقتصاد الحر وحقوق الإنسان فيما هم يستولون بطريقة مافيوزية على املاك الناس، او ادعاء بعضهم الآخر الاصطفاف في مشروع المقاومة لحماية الأراضي اللبنانية وهم يحوّلونها إلى أملاك خاصة ويسرقونها "على عينك يا تاجر".
أليس الشاطئ اللبناني مثالاً أيضاً على غياب دولة القانون عن كل برامج القوى السياسية وادّعاءاتها الفارغة؟
أليس الشاطئ اللبناني ملخصاً للقصة الحزينة عن ارتهان بلد ما لنظام سياسي عفن ومتعفن وقذر وبال ومن الماضي يحكم اللبنانيين ويقودهم نحو الفناء الوطني والسياسي؟
بل هو كذلك، وأكثر من ذلك هو القرينة والدليل ومضبطة الاتهام على زيف كلّ الشعارات التي سيتم التصويت عليها في 7 حزيران 2009. اللهم إلا إذا كان الشعار الشهير لا صوت يعلو فوق صوت القضايا الكبرى قد قزّم كل قضايا المواطن اللبناني العادية.. هذا هو الحاصل، إنك في 7 حزيران يا عزيزي المواطن ستنتخب من استولى ويستولي كلّ يوم على حقوقك كلها... فهل تعطيهم ثقتك؟

No comments: