Wednesday, October 22, 2008

القطاع العام وأيديولوجيا الحمير

وائل عبد الرحيم


منذ انقلاب حسني الزعيم (1) في سورية اواخر الأربعينيات، وما تلاه من حقبة الانقلابات العسكرية في المشرق العربي ومصر، ارتبطت حركة التحرر الوطني العربية بأمثلة عسكريتارية فجّة!
تجارب 5 عقود انتجت مدارس حكم رديئة لا يزال بعضها ماثلا بقوة في حيواتنا كمجتمعات عربية.
تجارب هجينة ارتكزت على نظرية التطور اللارأسمالي (2) التي سوّقها الخبراء السوفيات لإرضاء حلفائهم "ديكتاتوريي الشرق" دون ان يرفّ لهم جفن على المذابح التي ساقها هؤلاء ضد الشيوعيين المحليين في البلدان التي يحكمونها (3).
هكذا، وبغمضة عين، تحوّل المدّ الوطني الديمقراطي الذي رافق بداية انتهاء الاستعمار القديم، إلى تمدّد قميء لعسكريتاريا ريفية استولت على الأحزاب وعلى نظم الحكم وسخّرتها لمنافعها تحت شعارات الوحدة العربية، والحرية، والاشتراكية.
خلال كل هذه الحقبة من تاريخنا أمعن هؤلاء في الاضطهاد، وفي التنكيل بالحريات، وفي زيادة الفرقة بين الدول، وفي ضرب أسس النمو الاقتصادي.
والأنكى من كل ذلك أن من جاء إلى سدّة الحكم ليقلب حكماً ملكيا أو فساداً مستشرياً، اورث أولاده، فنشأت عندنا جمهوريات الحكم الوراثي كتجربة فريدة تفتّق عنها العقل العربي.
ومن جاء إلى الحكم ليرسي وحدة عربية ما، كان بطل الانفصالات.. وليس غريبا بعد ذلك ان تكون البرجوازية السورية التي خوّنها عتاة اللجنة العسكرية البعثية (4) هي رائدة تجربة الوحدة العربية الوحيدة في مشرقنا.. وان يكون الزعيم السوري التقليدي شكري القوتلي (5) اكثر وحدوية وتقدمية من العفالقة (نسبة إلى ميشال عفلق) ومن الأرسوزيين (نسبة إلى زكي الأرسوزي)… وان يكون خالد العظم (6) رائد القومية الاقتصادية الوطنية ورائد الديمقراطية ببعدها التحرري الوطني الداخلي والخارجي متفوقاً على مدرسة الشباطيين (7) كلهّها بيسارها (صلاح جديد) ويمينها (حافظ الأسد).
أفظع ما اورثته لنا هذه الجمهوريات هو القطاع العام الذي يتغنى فيه بعض ديناصورات "الحركة الاشتراكية المؤممة" بصفته إنجازاً تاريخياً للحكومات الوطنية.
طيب، بكلمات قليلة واعترف انها ناقمة كثيراً، فلنرً ماهية هذا القطاع الذي جلب الرفاه إلى الشعوب السعيدة!.
ولنتناول تجربة البعث السورية وثورة يوليو المصرية كمثالين ما دامتا مستمرتين في البروباغندا التبريرية لحكام القاهرة ودمشق.
في دمشق الشام، بقي من القطاع العام باب سرقة كبير لقريب عائلة الأسد رامي مخلوف (8)، الذي مدّ يده ايضاً على القطاع الخاص، وصار شريكا باسم العائلة لكل مصنع صغير او كبير، ولكل شركة صغيرة ام كبيرة..
وبقي من القطاع العام نظام استشفاء بائس هو برأي بعض أنصاف مثقفي الشرق "اشتراكية" من نوع باهر حقاً، ونسوا أن حكّام الشام واولادهم عندما يمرضون يذهبون للاستشفاء في بلدان "الغرب الرأسمالي المتوحش"!
اما في القاهرة حيث لا يزال حسني مبارك يحتفل كلّ عام بذكرى ثورة يوليو "الاشتراكية" فالقطاع العام الذي بيع وُيباع بالمزاد إلى شركاء ولديه جمال وعلاء أبرز مثال على إنجازات "الاشتراكية العربية".
في دمشق والقاهرة بقي القطاع العام ليس خطّ الدفاع الاخيرعن الفقراء كما يحلو لكبار الموظفين "الاشتراكيين" تسميته، بل اداة سيطرة اقتصادية متينة للحاكمين يستخدمونه كما الجيش والأحزاب المدجّنة في سبيل إدامة سيطرتهم.
للحديث صلة، وهو مدعاة لبحث اعمق واكثر شمولاً… حتى لا "يهرينا" ماركسيو نظم الحكم المافيوزية بنظرياتهم عن الاشتراكيات الوهمية الباقية في القرن الواحد والعشرين..
فالاشتراكية يا "رفاق"، منظومة قيم إنسانية راقية قبل ان تكون إدارات عامّة وسجون وبوليس وعسكر، وشعاراً للحمير: مات الحاكم.. عاش ابنه!



1 - ضابط في الجيش السوري افتتح عهد الانقلابات العسكرية بانقلاب على الحكومة السورية المنتخبة في عام 1949.
2 - اجتهاد للينين عن التطور السياسي والاقتصادي في البلدان غير الرأسمالية جيّرها المفكرون السوفييت في عهد خروشوف وبريجينيف لإضفاء طابع التقدمية على حلفائهم من انظمة مصر وسورية والعراق وغيرها. تقول النظرية بإمكان تحقيق الاشتراكية دون المرور بمرحلة الرأسمالية، وبالتالي تلغي عملياً "الدور الطليعي" للأحزاب الشيوعية لصالح دور ممثلي "البرجوازية الصغيرة الوطنية".
3 - نفّذ عبدالناصر حملة قمع منظمة ضد الشيوعيين المصريين والسوريين في الوقت الذي كانت في علاقاته ممتازة مع السوفيات والكتلة الاشتراكية. كذلك فعل الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم وإن كانت درجة القمع اقلّ. وفي العراق ذبح البعثيون الشيوعيين دون موقف حازم من قبل السوفيات.
4 - تكتّل ضباط بعثيين سوريين نشأ قبل استلام الحزب للسلطة وضمّ حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران وعبدالكريم الجندي وأحمد المير.. قامت هذه العصبة بالانقلاب فيما بعد على القيادة التاريخية لحزب البعث ممثلة بميشال عفلق.
5 - الرئيس السوري المنتخب الذي طلب من عبدالناصر رسميا الوحدة مع مصر في عام 1958 وقبل بالتنحي عن الرئاسة لصالح رئيس الوحدة عبدالناصر نفسه.
6 - رئيس وزراء سوري في عهد الديمقراطية البرلمانية. اشتهر بليبراليته السياسية ومواقفه الوطنية رفضاً للسياسات الاستعمارية، وبدفاعه عن الاقتصاد السوري في مواجهة الاحتكارات الأجنبية.
7 - اللجنة العسكرية نفسها التي قامت بانقلاب على القيادة القومية العفلقية للحزب في شباط 1966. ثم اختلف الرفاق فيما بينهم فانقلب حافظ الأسد على صلاح جديد في 1970 فيما اصطلح على تسميته بـ"الحركة التصحيحية".
8 - ابن خالة بشار الأسد وصاحب شركة سورياتل للهاتف المحمول وشركات اخرى وأحد اكبر أثرياء سورية.

3 comments:

Anonymous said...

What you have described is true, but the question which persists is when will be change and how long this type of governing will last considering the new dynamic of world globalization. The other question is it possible will see the new bourgeois class, which is currently worse than the old bourgeois class since they do not hold any type of values other than their pride as thieves and leaders of donkeys, is it possible that next generation will take different direction?.
Additionally, I would like to know the writer opinion on the connections between those echelons in power and their donkeys, and I understand the donkeys as their servants from presents who took leaderships in the Baath party and in the administration of the public sectors.
Lastly, what is the story with “quality”, it look to me that this word is an enemy for them, why this type of socialist echelons insist on combating quality? They aim and strife for higher class but they always showing persistent on refusing quality on all levels. In the street, on the administration levels, on their organizational levels and so on.

Quality and intelligence are something they do not value at all, why?

The fascinating thing is the recent interview of the Syrian president wife interview with Italian news paper when asked:
“The fact remains that the President is described in Washington as a dictator, the head of a state which promotes terrorism. What is your answer?”

She replied: This: that I see a contradiction in what you say. What is the explanation for the fact that on the one hand we lead the life of an ordinary couple, who go out to dinner and to the theatre with friends, and to the playground with our children, who live in an apartment in a normal city district, with our children playing in the street with our neighbours’ children, while, on the other hand, the President is allegedly a tyrant, and distant from the people. The two
things cannot exist side by side. As for the President being “mysterious,” it is enough to observe, and to listen: our positions are clear, explicit, and consistent. Perhaps this very fact does not help us.

Is she out of this world, she think dictators are not ordinary human, even for her credit she did much better on the other questions.

Anonymous said...

sorry
Let me make one correction for the second paragraph:
I understand the donkeys as “ those people who are comprised from the peasants from villages”, and took leadership in the Baath party ……


One more thing bothering me, when I look at the landscape of Syrian bloggers and their comments, is their denial and sometimes their adamant defense of the dictator and the status-quo.
They did not yet reach the level of accepting of other ideas and they do not imagine the existence of different views, anything different is bad and offensive or traitorous. The strange thing is that the children’s echelons in those new expensive schools spreading all over the country, are learning through the new principal of critical thinking which refuse to accept the status quo as final fact. This will lead to a new selective generation have no connection to public life because it will take ages for public schools to introduce this type teaching.

Arab Democracy said...

In relation to Asma el Assad's response to the journalist's question. I suspect that she does genuinely believe that she leads a humble life and is loved by the people. This is a common delusion among the elite, disconnected from the reality and surrounded by courtisans.

And as you say this state of denial is more worryingly widespread to a different extent among the Syrian intelligentsia and the bloggers themselves.

My standard answer to the question: When will things change? is When enough progressive yet patriotic and democratic voices will come together to provide the people with a vehicle for change.

We need to reframe the democratic vs nationalist debate. It isnt one. The debate is between those who believe in the people's capacity to generate a fair and happy society and those who dont.

Joseph