Monday, October 27, 2008

اكتشاف العنصرية العربية في سياق العولمة ودور الاسلام المهاجر

منى فياض
نشر في "الافق" العدد 9، تشرين اول 2008
www.al-ofok.com

من المواضيع التي نغفلها عامة، موضوع العنصرية. وهو من المواضيع التي تثير جدلا عالميا. يعتقد الفرد العربي – ونقول الفرد هنا مجازاً فهو عامة عضو في جماعة - انه غير عنصري، المواطن العادي لم يطرح هذا السؤال على نفسه من قبل. والعنصرية طالما مورست في العالم العربي من دون اثارة الانتباه وأكثر ما يعبر عن هذا التحيز المثل الشائع المعروف الذي كان يستخدمه صدام حسين في العراق: "كرد عرب، كلنا عرب".
هذا ناهيك عن النكات المتداولة والتي عندما تشير الى جنسية معينة "سيري لانكي" مثلاً فإنها تعيّن هوية وصورة جامدة ووظيفة ودور ملتصقة بهذا الشخص. هذا ناهيك عن استخدام تعبير "عبد" عندما يريد العربي، بشكل متوسط، الاشارة الى مواطن أسود اللون خاصة عندما يكون افريقياً. ولا يثير هذا الاستعمال أي تساؤل لدى صاحبه.
ان من ينتبه الى هذه السمة هم العرب الذين يعودون من مهاجرهم او دراستهم في الغرب مع نظرة جديدة الى عالمهم الاصلي الذي نزحوا عنه لفترة. يعودون بعد ان تتغير نظرتهم الى العرقية، والتي من الملاحظ على كل حال انها غيّرت ميدانها فلم تعد متعلقة بالعرقية المتأسسة على البيولوجيا، بل استبدلت البيولوجيا و"النقاء العرقي" ب "الهوية الثقافية الحقيقية"، كما انها تخلت عن مفهوم اللامساواة لمصلحة المفهوم المطلق للاختلاف . لم يعد الموضوع يتعلق باحتقار الاعراق الدونية، بل انتقل الخوف الى ميدان اللاتمايز المستوعب ضمن سياق من الانحطاط . العنصرية تتخذ وجها جديدا لم يتم الانتباه اليه من قبل، وجها ثقافيا. هناك ميل الى تجاهل الصفات الثقافية المختلفة للآخر وعليه بالتالي ان يسلك ويتصرف بحسب المعايير الثقافية السائدة في البلد المضيف الذي ينضم اليه حديثا ما يجعله غير مرئي. وهذا هو الوجه الجديد المعلن او للعنصرية:"انا مختلف لكن لا احد يريد ان يعترف لي بهذا الاختلاف من هنا اشعر باني مسحوق وغير موجود بحسب الوجود الذي اعتدته في حياتي السابقة"، هل هناك اجحاف اكثر من هذا؟
السمة العامة المشتركة بين البلدان العربية التي تستورد ايدي عاملة آسيوية او عربية، هي استحالة حصول هذا العامل على الجنسية مثلاً ! أو حقوق متساوية مع مواطنين البلدان المعنية كما هو الحال في لبنان.
في نقاش اعترض احدهم على كون "العرب" عنصريين، انظروا التاريخ قال، ألم يكن لدينا حاكم مثل صلاح الدين وهو كردي - يمكن ايضا اضافة فلاسفتنا الكبار مثل الفارابي وابن سينا والرازي.. وهم فرس وليسوا عربا-!
لكن ما لا يتم استيعابه اننا نشير الآن فقط الى كرديته لكن هل كان هذا مثار أي اهتمام حينها؟ هل حكم لأنه كردي وباسم الاكراد؟ ام انه حكم باسم الاسلام وباسم الثقافة والحضارة العربيتين؟؟ الم يتصرف العربي بشكل عام بحسب المثل القائل:" عرب كرد، كلنا عرب"!! هل نعترف للاقليات بحقوقها؟ بالعديد من الاديان القديمة مثل السريانية او الصابئة ناهيك عن الاقباط؟ والتعداد هنا يشكل لائحة طويلة.
نحن لا نلتفت سوى الى الازمة التي تنفجر في فرنسا من وقت لآخر من قبل المهاجرين العرب هناك؛ والتي لا يمكن فهمها دون الاشارة الى خلفية ظهور الاسلام الاجتماعي (كواقعة اجتماعية) متنوعة تتضمن: العامل النفسي والعامل السياسي والاقتصادي والديني بحسب تعابير جيل كيبل. كما يجب الانتباه الى عدم وجود واقعة دينية صرفة، انها ايضا: تاريخية، سوسيولوجية، ثقافية، نفسانية واشياء اخرى. كما ان هناك (على صعيد الافراد تمثلات مختلفة للاسلام/ بعدد المسلمين)، كما ان هناك تمثلات مختلفة للمسيحية واليهودية.
نجد اذن تمثل لاسلام- ثقافة، اسلام ملجأ، اسلام- احتجاج، اسلام - هوية....
يظهر الاسلام في احد مستوياته على شكل نظمة من الاوامر والنواهي التي تخدم للاضطلاع بالاختلاف او بتحمل مسؤوليته بشكل ارادي واختياري. والا فان الاختلاف الذي يميز هذه الفئة (المسلمين) سوف يدرك كتمييز عنصري وعرقي يخضع له المهاجرون، العرب والاتراك والسود، اي المحتقرون والذين يشار اليهم بالبنان. يقوم الاسلام في هذا السياق بنوع من التحول على مستوى القيم والوضعيات. يغسل العار ويستبدله بعزة النفس. الضغط المهم الذي تسببه الموانع والنواهي والاوامر هو الامتحان الذي يختار الخضوع له اولئك الذين يتبعونها، وذلك يعطيهم الشعور بالخضوع لاخلاق ولعلم اخلاقي ارفع مما هو وضعي ويقود الى عتبات الجنة.
كما ان التأكيد على الهوية الاسلامية في الاطار الفرنسي، يجعل التطبيع والحصول على الجنسية الفرنسية امراً محتملاً، والا عاش المسلم الامر على انه خيانة وردّة.
ان احد أوجه الرد على شعور المهاجر بانه محتقر من قبل الفرنسيين وعلى احساسه بالعدائية والدونية، يتمثل بإظهار الاختلاف اي التخلص من اللاتمايز. هكذا عندما ترتدي امرأة شابة الملابس الاسلامية او عندما يطلق شاب لحيته، قد يكون ذلك نوعا من البحث عن الهوية قبل اي شيء آخر، ولتأكيد ذلك يلجأ الى وسم الآخر، بواسطة الاعتداء هلى حقل نظر هذا الآخر. ان نشاطات التحريض تعطي معنى للمثاقفة انطلاقا من رموز المجتمع الدامج، او رموز من يمانع. ينتج هذا المعنى بواسطة الانخراط في التأشير الاجتماعي الرمزي او بواسطة النفي. وليست المرة الاولى التي يظهر فيها اشتقاق إشارات او علامات مشابهة في مجتمع مأزوم.
هكذا يعبر ارتداء كف فاطمة (او نجمة داوود الذهبية اوالصليب الذهبي) عن شكل من التفاخر والاعتداء الرمزي كاجابة على الوسم.
اليست هذه طريقة في الاندماج في العالم عن طريق التمايز بدل الانسحاب والانزواء الذي قد يكون حلا ايضا لكنه يعبر عن تكيف اقل . ألا يمكن ان نعمم هذا التحليل فنجد ان هذا ينطبق على المجتمعات الاسلامية ايضاً ونعتبر هذه العودة المكثفة الى الرموز والاشارات والطقوس كنوع من الدفاع عن الذات الثقافية عبر تمييزها وعلى مستوى المجموعة العالمية وبنوع من مخاطبة هذا العالم ايضا؟ و فيما تقوم بذلك تكون هذه مساهمتها الرمزية في الانتماء الى هذا العالم الذي يقدم رموزه ويعممها؟ اليست هذه نوع من "حداثةاسلامية" تعبر عن الرد على الشعور بالاقصاء عبر ايجاد عالم رمزي خاص بها ايضاً؟
لكن ذلك يطرح في المقابل مشكلة العرقية عند المجتمع الدامج، يطرح مشكلة الآخر وعلاقته ب"الأنا" و"النحن" وال "ما- بيننا". يبرهن انتاج هذه الاخيرة على شوفينية وطائفية يدعمها هذا الخوف من "الآخر" المطروح كتهديد داخلي للنظام الاجتماعي.
تفترض العرقية، مبدئياً، وجود أعراق انسانية تختلف فيما بينها بسبب مميزاتها الوراثية. بينما تبرهن دراسات علم الوراثة الحديثة ان هذه البديهية تعتمد على مفهوم علمي للعرق تم التخلي عنه.
فاذا كانت مسألة تعريف العرقية غير صحيحة علميا، تصبح هذه متعلقة بميدان الضلال والوهم والآراء المسبقة. التساؤل الذي يطرح نفسه لماذا يبدو النضال ضد الآراء المسبقة بهذه الصعوبة؟
يسود الاعتقاد بان الانسان يخاف من الاختلاف، وان هذا يشكل جوهر العنصرية.
تظهر الممارسة ان هذا غير صحيح. ان ما يخاف منه الانسان هو اللاتمايز ، وحسب دوبوي Dupuy ان اللاتمايز هو الذي ينتج التفتيت الاجتماعي، لماذا؟ لأن وحدة الكل تفترض تمايزه، أي وضعه بشكل تراتبي - شرط عدم الخلط بين التراتبية واللامساواة.
المساواة النافية لمبدأ الاختلاف هي سبب الخوف المتبادل، الانسان يخاف من "الهو – نفسه". وهذا هو منبع العرقية. لكن هناك خطر ان يشكل "الحق بالاختلاف" حسب استخدام لوبن ارادة للنبذ، غطاء لنوع جديد من العرقية، تحت شعار احترام الهويات الخاصة بالجماعات، الذي يكشف عن الخوف من الاختلاط.
ربما تكون آخر احداث حصلت في فرنسا أخر تعبير اعتراضي قد يندمج بعده المسلمين العرب بعد ان يتم تحسين آليات استيعابهم في المجتمع الفرنسي على الطريقة الاميركية نوعا ما، اي بانخراطهم الاقتصادي والاجتماعي بعد تعديل بعض القوانين!
فمتى يحصل التطور في بلادنا؟ عندما نبدأ بالاعتراف بالمشكلة ونطرح السؤال على أنفسنا: هل نحن عنصريون ولماذا؟ وكيف نعالج هذه المسألة.

1 - انظر منى فياض: الاسلام المهاجرفي الدولة القومية: نموذج فرنسا،منبر الحوار عدد 25، 1992، ص 56.

2 - حصل فيما يسمى سوسيولوجي كافيه، حيث يجتمع اساتذة وطلاب معظمهم من الجامعة الاميركية لنقاش موضوعة معينة/ وكانت موضوعة النقاش في 29/11/05 عن العنصرية حيث قدم عناصر النقاش د. راي جريديني.

3 - Gerard, R: La violence et le sacre,Grasset, Paris, 1972,117-118.
ليس الاختلاف هو المسبب للعنف الأعمى، لكن خسارته هي مسبب للعنف. العدالة الاجتماعية تتجذر في النظام الأخلاقي.
أن نهاية الاختلافات تعني: أن تسيطر القوة على الضعف، أن يضرب الابن أباه حتى الموت، إنها نهاية العدالة. ليست هناك من فكرة أكثر غرابة من أن العدالة هي ميزان متساو، دائماً، تجرد غير قابل للاضطرب. تتجذر العدالة الانسانية في النظام الاختلافي.
من هنا فإن بعض المجتمعات تقضي على التوائم، وقد يظن أن المسألة متعلقة بالتراتب، تراتب التوأمين، وهي مشكلة حقيقية ولكن غير جوهرية. يأتي شخصان في حين أن المنتظر واحد فقط. أساباب غبعاد أحد الطفلين ليست مشكلة التراتبية في حد ذاتها، لكن ما يترتب عليها. لا يوجد بين التوأمين أي اختلاف عللى المستوى الثقافي وهناك أحياناً تشابه غريب بينهما على المستوى البيولوجي. لكن حيث يغيب الاختلاف، يهدد العنف. يستقر التشوش بين التوأمين بيولوجيا واجتماعيا: لا عجب في أن التوأمين يسببان الخوف: أنهما يشيران ويعلنان عن خطر عظيم لكل مجتمع بدائي: العنف اللامتمايز. لكن ممارسة العنف ضدهما تعني الدخول في دائرته، لذا "يعرض" التؤامان أو يتركان ظروف تجعل موتهما محتما.

4 - يمكن هنا مراجعة فؤاد اسحق الخوري: الذهنية العربية، العنف سيد الأحكام، دار الساقي، 1993، حيث يشير الى انه في غياب التنظيم الهرمي للسلطة تصبح الهيمنة محور العلاقات الاجتماعية والسياسية، و يصبح القطب المهيمن هو القاعدة التنظيمية التي يدور الافراد التابعون في فلكها. ومن ثنائية الظهور بمظهر القوي، من جهة، والتعامل مع العالم على أنه مؤلف من وحدات متساوية ومستقلة، من الجهة الاخرى، يُفرض علينا السعي الدائم لنكون الأولين بين المتساوين.

3 comments:

saint said...

Good read,
If this article was written originally in English, could you pls, place the link to the article in English.

Anonymous said...

Unfortunately, there is no translation availble yet in english for this article for it was written in arabic.
Arabdemocracy

Anonymous said...

Dear Saint,
The author of this article mentioned today that there is an english version available. We will post it or send it to you soon, and will let you know when it's ready.
Best Regards
Arabdemocracy