وائل عبد الرحيم
منذ بضع سنوات أحيل المسؤول العسكري الفلسطيني منير المقدح إلى القضاء اللبناني بتهمة تهديد وزير في حكومة لبنان، وصدر بحقه حكم بالسجن. منذ ذلك الحين يمتنع العقيد المقدح عن مغادرة مخيم عين الحلوة. أما الوزير المعني بالتهديدات فهو السيد نقولا فتوش الذي لم يرتكب جرماً ما عدا تصريح أدلى به استخدم فيه مصطلح نفايات لوصف الفلسطينيين في لبنان او على الأقل هكذا ادعى المقدح حينما استعرض عضلاته وتوعّد الوزير فتوش و"هدّده". حصل ذلك في زمن الوصاية السورية على البلد وحينما كان الوزير فتوش أحد الحلفاء وثيقي الصلة بمسؤولي الوصاية!
حسناً فعل فتوش إذا كان استخدم هذا المصطلح في توصيفه لفلسطينيي لبنان الذي يعيشون في مخيماته منذ نزوحهم القسري في عام 1948. فالفلسطينيون في "بلاد الأرز" يعاملون معاملة النفايات ومخيماتهم مزابل مشرعة لشتى انواع القمامة معاد تصنيعها. الذي يعرف المخيمات الفلسطينية، يعرف جيداً انه من الصعوبة بمكان إدخال كيس اسمنت واحد إلى مخيم فلسطيني في لبنان حيث تتابع الحكومات المتوالية تشديد مراقبتها لمواد البناء الداخلة إلى المخيمات في محاولة منها للحدّ من البناء العامودي الذي يضطر الفلسطينيون إليه بسبب الزيادة الديمغرافية الطبيعية، ومع ذلك فإن الأسلحة الخفيفة حديثة الصنع تدخل بسهولة، والمطلوبون اللبنانيون والفلسطينيون والعرب يدخلون ويخرجون، والأموال التي تذهب لاغراض الاستخدام السياسي حصراً تتدفق بيسر على ما يبدو، ويطيب للمجموعات الإرهابية الإسلامية الاستيطان هنالك بل و"التكاثر" أيضاً.
والأسوا من كل ذلك، أنه رغم الانحسار الكبير للنفوذ الفلسطيني، لا يزال هذا الملف يُستخدم من قبل الأطراف اللبنانية في سياق السجال الداخلي.
فالجنرال ميشال عون جعل مسألة الوجود الفلسطيني في صلب برامجه السياسية كلها، وهو او نواب كتلته لا ينفكون يرددون معزوفة رفض التوطين، والتخويف منه، وما سرّب على لسان عون إلى الأوروبيين والأميركيين أقلّه ان لبنان بلد صغير ولا يتسع لـ450 الف لاجئ فلسطيني في حين ان الدول العربية واسعة ويمكن لها بسهولة ان تستوعبهم.
وما لم يقله عون مباشرة قاله حلفاؤه في "جبهة الحرية" وهم تجمع لقادة ومقاتلي القوات اللبنانية المعادين لسمير جعجع، حينما طرحوا بصراحة خطة ترحيل للفلسطينيين، جزء إلى البلاد العربية وجزء آخر إلى المهجر الأوروبي والأميركي تحت شعار لمّ الشمل العائلي، وربما جزء إلى اراضي دولة فلسطينية لم تولد بعد.
وهذه الجوقة المنضوية ضمن أوركسترا تحالف "8 آذار" تجد لها من يواكبها صراخاً يومياً باسم شعار حق العودة إلى فلسطين، وباسم القضايا الكبرى الإسلامية منها والعربية لا بل والأممية، وهو ما يتولاه حزب الله بشكل أساسي.
كأنما الفلسطيني اختار البقاء بملء إرادته في هذا البلد الذي يمنع عنه من حق العمل، كما يقيّد إقامته وانتقاله، ويحاصره في سكنه. (الفلسطيني ممنوع من العمل في معظم المهن، وغير مشمول بتقديمات اجتماعية، ولا يحقّ له الانتساب إلى النقابات، وتقيد تجارته، ولا مكان فيه لأصحاب المهن الحرة من اطباء ومحامين وصيادلة، ويحظر عليه تملك منزل، ولكي يخرج من بعض المخيمات "الخطرة" عليه ان يحوز على تصريح خاص من استخبارات الجيش).
الفلسطينيون ارتكبوا اخطاء وخطايا في لبنان (واللبنانيون كذلك)، وسلاحهم في المخيمات وخارجها لا داعي له. لا بل إن بسط الدولة اللبنانية سيادتها على المخيمات الفلسطينية ضروري للفلسطيني قبل اللبناني. وإن كان يوجد من يتمسك بهذا السلاح اليوم فهم بعض اللبنانيين وامتداداتهم الإقليمية المعروفة.
واكثر من هذا، الفلسطيني لن يقبل بالتوطين في لبنان أو بحيازة جواز سفر لبناني، فلا توجد ضرورة للأمر. لكن ان يتم التهويل يومياً بموضوع التوطين وفي الوقت نفسه حرمان الفلسطينيين من حقوقهم في حياة كريمة بحدنها الأدنى، فهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق، إلا منطق بعض اللبنانيين المغالين في افتخارهم بلبنانيتهم وادعائهم الحفاظ على هوية البلد (أي هوية؟)، وهم يخفون تعجرفاً مقيتاً وعنصرية غبية.
ما المطلوب حقيقة؟ تهجير الفلسطينيين تحت شعار رفض التوطين؟.
عيب! الفلسطينيون هُجروا قسراً في الأربعينيات، كما نزح الأرمن في بداية القرن الماضي، مع السريان والأشوريين والكلدان وغيرهم. الفلسطينيون النازحون واولادهم وأحفادهم عاشوا حياة القهر والفقر والذل، فيما حاز البقية على الجنسية اللبنانية.
عيب علينا نحن اللبنانيين الذين نصبنا تمثال المهاجر الأول على مدخل عاصمتنا، أن نعمد إلى المتاجرة بحياة من لا يزال البعض يصرّ على تسميتهم بـ"الغرباء" ويجدّد الحلم – الكابوس القديم بان يقيم حدائق للحيوانات مكان المخيمات. (هكذا وعد رئيس سابق للجمهورية الجنرال آرييل شارون أن يفعل بمخيم صبرا وشاتيلا).
هذا بعض من الحياة السياسية هنا، سياسة تجتر نفسها ولا تملك سوى القدرة على اعادة وجوه جديدة لوحش العنصرية نفسه.
حسناً فعل فتوش إذا كان استخدم هذا المصطلح في توصيفه لفلسطينيي لبنان الذي يعيشون في مخيماته منذ نزوحهم القسري في عام 1948. فالفلسطينيون في "بلاد الأرز" يعاملون معاملة النفايات ومخيماتهم مزابل مشرعة لشتى انواع القمامة معاد تصنيعها. الذي يعرف المخيمات الفلسطينية، يعرف جيداً انه من الصعوبة بمكان إدخال كيس اسمنت واحد إلى مخيم فلسطيني في لبنان حيث تتابع الحكومات المتوالية تشديد مراقبتها لمواد البناء الداخلة إلى المخيمات في محاولة منها للحدّ من البناء العامودي الذي يضطر الفلسطينيون إليه بسبب الزيادة الديمغرافية الطبيعية، ومع ذلك فإن الأسلحة الخفيفة حديثة الصنع تدخل بسهولة، والمطلوبون اللبنانيون والفلسطينيون والعرب يدخلون ويخرجون، والأموال التي تذهب لاغراض الاستخدام السياسي حصراً تتدفق بيسر على ما يبدو، ويطيب للمجموعات الإرهابية الإسلامية الاستيطان هنالك بل و"التكاثر" أيضاً.
والأسوا من كل ذلك، أنه رغم الانحسار الكبير للنفوذ الفلسطيني، لا يزال هذا الملف يُستخدم من قبل الأطراف اللبنانية في سياق السجال الداخلي.
فالجنرال ميشال عون جعل مسألة الوجود الفلسطيني في صلب برامجه السياسية كلها، وهو او نواب كتلته لا ينفكون يرددون معزوفة رفض التوطين، والتخويف منه، وما سرّب على لسان عون إلى الأوروبيين والأميركيين أقلّه ان لبنان بلد صغير ولا يتسع لـ450 الف لاجئ فلسطيني في حين ان الدول العربية واسعة ويمكن لها بسهولة ان تستوعبهم.
وما لم يقله عون مباشرة قاله حلفاؤه في "جبهة الحرية" وهم تجمع لقادة ومقاتلي القوات اللبنانية المعادين لسمير جعجع، حينما طرحوا بصراحة خطة ترحيل للفلسطينيين، جزء إلى البلاد العربية وجزء آخر إلى المهجر الأوروبي والأميركي تحت شعار لمّ الشمل العائلي، وربما جزء إلى اراضي دولة فلسطينية لم تولد بعد.
وهذه الجوقة المنضوية ضمن أوركسترا تحالف "8 آذار" تجد لها من يواكبها صراخاً يومياً باسم شعار حق العودة إلى فلسطين، وباسم القضايا الكبرى الإسلامية منها والعربية لا بل والأممية، وهو ما يتولاه حزب الله بشكل أساسي.
كأنما الفلسطيني اختار البقاء بملء إرادته في هذا البلد الذي يمنع عنه من حق العمل، كما يقيّد إقامته وانتقاله، ويحاصره في سكنه. (الفلسطيني ممنوع من العمل في معظم المهن، وغير مشمول بتقديمات اجتماعية، ولا يحقّ له الانتساب إلى النقابات، وتقيد تجارته، ولا مكان فيه لأصحاب المهن الحرة من اطباء ومحامين وصيادلة، ويحظر عليه تملك منزل، ولكي يخرج من بعض المخيمات "الخطرة" عليه ان يحوز على تصريح خاص من استخبارات الجيش).
الفلسطينيون ارتكبوا اخطاء وخطايا في لبنان (واللبنانيون كذلك)، وسلاحهم في المخيمات وخارجها لا داعي له. لا بل إن بسط الدولة اللبنانية سيادتها على المخيمات الفلسطينية ضروري للفلسطيني قبل اللبناني. وإن كان يوجد من يتمسك بهذا السلاح اليوم فهم بعض اللبنانيين وامتداداتهم الإقليمية المعروفة.
واكثر من هذا، الفلسطيني لن يقبل بالتوطين في لبنان أو بحيازة جواز سفر لبناني، فلا توجد ضرورة للأمر. لكن ان يتم التهويل يومياً بموضوع التوطين وفي الوقت نفسه حرمان الفلسطينيين من حقوقهم في حياة كريمة بحدنها الأدنى، فهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق، إلا منطق بعض اللبنانيين المغالين في افتخارهم بلبنانيتهم وادعائهم الحفاظ على هوية البلد (أي هوية؟)، وهم يخفون تعجرفاً مقيتاً وعنصرية غبية.
ما المطلوب حقيقة؟ تهجير الفلسطينيين تحت شعار رفض التوطين؟.
عيب! الفلسطينيون هُجروا قسراً في الأربعينيات، كما نزح الأرمن في بداية القرن الماضي، مع السريان والأشوريين والكلدان وغيرهم. الفلسطينيون النازحون واولادهم وأحفادهم عاشوا حياة القهر والفقر والذل، فيما حاز البقية على الجنسية اللبنانية.
عيب علينا نحن اللبنانيين الذين نصبنا تمثال المهاجر الأول على مدخل عاصمتنا، أن نعمد إلى المتاجرة بحياة من لا يزال البعض يصرّ على تسميتهم بـ"الغرباء" ويجدّد الحلم – الكابوس القديم بان يقيم حدائق للحيوانات مكان المخيمات. (هكذا وعد رئيس سابق للجمهورية الجنرال آرييل شارون أن يفعل بمخيم صبرا وشاتيلا).
هذا بعض من الحياة السياسية هنا، سياسة تجتر نفسها ولا تملك سوى القدرة على اعادة وجوه جديدة لوحش العنصرية نفسه.
No comments:
Post a Comment