Friday, February 6, 2009

دانا الزعبي vs إسرائيل

وائل عبد الرحيم
كتب يهوشع سوبل في صحيفة "إسرائيل اليوم" (ترجمات من الصحافة العربية) أنه في "الأسبوع الذي سبق الحملة في غزة، طُردت الطفلة الإسرائيلية، دانا الزعبي، من روضة أطفال، والسبب: لأنها عربية. ستة من الأهالي اليهود الذين لهم أبناء في تلك الروضة هددوا بإخراج أطفالهم من تلك الروضة إذا لم يتم طرد دانا الصغيرة منها. الحضانة خضعت للابتزاز العنصري من قِبَل الأهالي اليهود معلّلة قرارها بأن الروضة ستجد صعوبة في تحمّل الخسائر المالية التي ستلحق بها لو نفّذ الأهالي اليهود تهديدهم. أمُّ دانا الصغيرة وقفت أمام عدسات القناة العاشرة وقالت إنها تختنق".
تستحقّ دانا الصغيرة، مثلها مثل غيرها من أطفال "السكّان الأصليين"، أن تُحكى لها الحكايات الجميلة في مدرستها من معلمين ومعلمات يهتمون بها ويشعرونها وأطفال الروضة بالأمان والاحتضان والتشجيع. لا أعرف ماذا قالت أمّ دانا لها لكي تبرّر نقلها من الروضة، ربما كذبت عليها تلك الكذبة الصغيرة وهو ما يفعله المحبّون أحياناً، أو غنّت لها قصّة ما قبل النوم وفيها من الصور والموسيقى والألوان ما يبهج. القصة التي لم تروٍها الأم الحزينة المختنقة لابنتها هي ما ستكتشفه دانا حينما تكبر قليلاً عن وطن ضائع داخل وطن، وعن هوية محاصرة في أكبر نظام عنصري باق في القرن الواحد والعشرين.
ومهما فعل السيّد اوفير غندلمان مدير قسم الصحافة العربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية والمشرف على موقع "التواصل" الالكتروني لتحسين صورة اسرائيل عند العرب، فإن جهده سيذهب هباء لأنه إذا اعتمد على افتراض باهت بأن المواطنين العرب العاديين لا يفقهون بالسياسة حتى لا يستنتجوا أن برامج الأحزاب الصهيونية في إسرائيل كلّها لا تقدّم سلاماً لهم ولا شيئاً من حقّ للفلسطينيين، فإنه لن يستطيع شرح قصّة دانا الزعبي، ولن يُتاح له المجال لأن يقول إن إسرائيل دولة قانون وواحة للديمقراطية في وسط غابة من الوحوش، كما أن المحكمة العليا الإسرائيلية لن تنظر في قضية روضة أطفال.
يمكن لمن يرغب بالاطّلاع على ملامح من أزمة الديناصور العنصري الباقي في "العصور الحديثة" أن يتابع قراءة مقال السيد سوبل الذي يشرح بشكل أدقّ عن صلات القرابة بين يورغ هايدر العنصري النمساوي المتوفي في حادث سير، وبين أترابه في الدولة اليهودية.
التشديد على موضوعة الدولة اليهودية أصبح اليوم في صلب البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية كافة، بيسارها (ميرتس) وبقيّة يمينها (كاديما، ليكود، العمل، إسرائيل بيتنا، حزب الاتحاد القومي..الخ). فكلّ هذه الأحزاب متفقة على ضرورة أن تكون يهودية إسرائيل هي الشعار الأبرز للمرحلة التاريخية المقبلة، بعدما كان إنشاؤها على يد الروّاد الأوائل للحركة الصهيونية تحت شعار "الوطن القومي" لليهود.
وثمّة فرق بين "الوطن القومي" و"يهودية الدولة"، فالوطن القومي يعني بأفضل الأحوال "حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره" على أراضي فلسطين التاريخية وحقه بـ"العيش بسلام" بمعزل عن الحقوق التاريخية لمن اقتُلعوا من أراضيهم قسراً.
أمّا يهودية الدولة، التي تكرّسها القوانين الأساسية في إسرائيل، فتتطلب حتى بالنسبة للأحزاب العلمانية مزيداً من الاعتماد على النص التوراتي في فلسفة القيادة السياسية، وهي إن لم تعن طبعا لعمير بيريتس وغيره من "عمّالويي" حزب العمل ونشطاء ميريتس تطبيق شريعة موسى، حيث أن في اليسار الصهيوني من يؤيد حقوق مثيلي الجنس ويدافع عن البيئة، (ويؤيّد الحرب على غزة "اضطراراً")، إلا أن نتيجته الطبيعية مزيد من القوانين والتشريعات التي تجعل التخطيط السياسي العام للدولة يهدف إلى نقائها القومي على المدى المنظور، وضمان ذوبان الأقلية العربية إن لم يكن تهجيرها عبر شطب الحقوق الوطنية والثقافية لهذه الأقلية باسم الاندماج تماماً كما شُطب قسم كبير من التاريخ والجغرافيا من مناهج الدراسة، وكما غُيّرت أسماء القرى والشوارع العربية واستُبدلت بأسماء عبرية.
أيضاً ما سيجعل مهمة السيد غندلمان صعبة قليلاً، الصور التي بثتها بعض محطات التلفزة العالمية عن تلة العار المشرفة على غزة من الجانب الإسرائيلي حيث فتح الشبّان والشابات الإسرائيليات قناني الشامبانيا مع كلّ قنبلة قاتلة كانت تلقيها المقاتلات الإسرائيلية على غزة.
لفت انتباهي تعليق لأحد الكتّاب داخل إسرائيل يستغرب فيه كيف أن الشباب في العالم في زمننا هذا يميلون أكثر نحو اليسار سواء بأفكاره الاجتماعية أو السياسية والاقتصادية التغييرية فيما شباب إسرائيل يزدادون عنصرية وتقوقعاً.
وهذه المقارنة البليغة في التعبير ليست اتهاماً باطلاً، ذلك لأن اتجاه التصويت في إسرائيل حتى على مستوى الأحزاب الصهيونية ينحو أكثر فأكثر إلى اليمين. فمهما كان الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست الجديد فإن اليمين سيستطيع بسهولة تشكيل ائتلاف يجمع من الليكود إلى "الاتحاد القومي" (
الذي طرح ترحيل عرب 48 إلى فنزويلا) مروراً ببقية الأحزاب القومية والدينية.
وربما نجمُ الانتخابات الحالية، العضو السابق في حركة كاخ الإرهابية كما كشفت
هآرتس الثلاثاء الماضي، هو زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان.
يشغل هذا الحزب في الكنيست الحالي 11 مقعداً، وترشّحه استطلاعات الرأي للفوز بستة أو سبعة مقاعد إضافية.
وليبرمان المولود في الاتحاد السوفياتي السابق، والذي يتحدث العبرية بلسان ثقيل، مصنّف في خانة اليمين المتشدد. وربما عُرف أكثر بدعواته الصريحة إلى طرد الفلسطينيين العرب، السكان الأصليين للبلاد، ضمن ما يسميه بـ"تبادل السكان" عانياً بذلك طبعاً تهجير مليون ومئتي ألف عربي في إسرائيل مقابل سحب آلاف قليلة من بعض المستوطنات في أجزاء من الضفة الغربية لا تشمل طبعاً "القدس الكبرى" الشرقية ولا المستوطنات الرئيسية التي تقطّع أوصال الضفّة. وحتى يتحقق حلم ذلك المهاجر الآتي من مولدوفيا فإنه يطالب بفحص ولاء دائم لعرب إسرائيل رافعاً شعاره "لا مواطنية لمن ليس له ولاء" ومركّزاً هجومه على النواب العرب في الكنيست وداعياً إلى معاملتهم كما يعامل العملاء والخونة.
ويحوز ليبرمان على إعجاب في الشارع الإسرائيلي الذي يقول إنه "يتحدث العربية" أي يتحدث اللغة التي يفهمها العرب! وسيتفوّق ليبرمان على ما يبدو على حزب العمل بعدد المقاعد التي سيحوزها في الكنيست رغم كل جهود الجنرال ايهودا باراك في غزة.
لن أصل من خلال كلّ هذا إلى استنتاج أن إسرائيل لا تريد السلام. فقد يجد البعض في هذا شعاراً تقليدياً بعض الشيء وتخطاه الزمن، حيث أن إسرائيل لم تعد مجتمع الروّاد الاشتراكيين الأوائل أو موطن الكيبوتز والتعاونيات. فصحيح أن إسرائيل تغيّرت وان مجتمعها تبدّل وطرأت عليه مستجدات.
وربما صحيح أن الإسرائيليين يريدون السلام والعيش بأمان. لكنهم ببساطة يريدون سلامهم هم الذي لن يتحقق، ومن المستحيل أن يتحقّق مهما خاضت إسرائيل من حروب وانتصرت فيها. لأن سلاماً غير مبني على تسوية تاريخية تحفظ الحقوق لأصحابها مقابل السلام نفسه، ليس سلاماً. ولأن بقاء نظام عنصري على هذا الكوكب هو امر مخالف للطبيعة، وبكل المعايير الأخلاقية والقانونية والعلمية، فإما أن يدفع باتجاه انفجار كبير يوماً ما ستكون ويلاته مرعبة، وإما ان تكون الأساطير الدينية على حقّ وتنتصر الغيبيات على الواقع، وفي الحالتين المأساة حاضرة.
والتسوية السياسية التي طرحها الفلسطينيون منذ الثمانينيات على الأقلّ واضحة ولا تنازل عنها لأن أحداً لا يستطيع أن يتنازل بعد. دولتان وحق اللاجئين. ومع ذلك ترفضها إسرائيل بوقاحة.
أمّا التسوية التاريخية التي على يهود إسرائيل التفكير جدياً بها بالنسبة للمستقبل، فتتخطى التسوية السياسية، وهي أكثر من تسوية، هي حلّ تاريخي ينسف شعار يهودية الدولة ليستبدله بدولة لجميع مواطنيها، ويُعلي سيادة القانون ويفصل الدين عن الدولة وينهي مأساة عنصرية مستمرة منذ عقود.
وإلا هل انتبه يهود إسرائيل إلى أنهم وباسم إسرائيل يخرقون القانون الدولي باستمرار منذ العام 1947 على الأقلّ؟ هل يتحمّل الضمير اليهودي في العالم ، بل والتراث اليهودي الذي قدّم للبشرية إسهامات جليلة، أن يسجّل عليه أنه خارج على كل القوانين والمواثيق المكتوبة وغير المكتوبة منذ 60 عاماً واكثر؟ إسرائيل فكرة أوروبية معادية للسامية خطفت اليهود من قلب الحضارة ورمتهم في غيتو قذر يقتلون شعباً آخر من شعوب العالم. وباسم اليهود تُرتكب المذابح.
لا تكملوا مئة عام خارج الضمير الإنساني، لأن تراثكم الغنيّ سيندثر بعدها، وأعيدوا دانا الزعبي إلى روضتها، جنباً إلى جنب مع أطفالكم، والمنازل إلى من لا يزال يحتفظ بمفاتيحها.

2 comments:

Anonymous said...

i may not be well informed about politics and its ways, but as a mother of a young girl i was horrified when i read about dana's story. i can not imagine being in this woman's shoes having to tell my daughter that her race makes her inferior to all her friends. i do not know what her mom told her but no matter what i beleive that kids are smart and she will figure it out eventually and this will destroy her personality and brand her as long as she lives.
but may be this is the new israeli policy kill kids or destroy them with racisim....

Anonymous said...

GREEEEEEEAAAAAAAAAAAAAAAAAAT
SAMI HAMAD