وائل عبد الرحيم
قد تكون الحكاية بدأت فعلا من القرار الدولي 1559، وقد يكون اغتيال رفيق الحريري حدث ارتكازاً على تلك المتغيرات التي جعلت من اصدار هذا القرار ممكناً.
وأكثر من ذلك، قد يكون القرار 1559 مرتبط فعلاً بالمتغيّرات التي حملتها الحرب الأميركية على "الارهاب" التي فتحت معها جبهات في شرق اوسط ضخّمه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة ليمتدّ من أفغانستان وصولاً الى شطآن المحيط الأطلسي المغاربية.
كل ذلك ربما يكون صحيحا، وإن احتاج الى كثير من التمحيص والدراسة والتحليل.
لكن ما هو حاصل اليوم، اكبر من طاقة لبنان على احتماله.. ففي خضم تصفية الحسابات والحروب الإقليمية والدولية، يدفع هذا البلد الصغير وسكانه الأربعة ملايين ونصف أثماناً مضاعفة.
فما الذي جرى حتى يصبح بلد بحجم لبنان رهينة سياسات كبيرة يختلط فيها النووي الإيراني بقضية فلسطين، وحرب العراق بموجات المرتزقة القاعديين، واجتياح افغانستان بنهوض حركات الممانعة السلطوية؟
هو لبنان الحلقة الأضعف في دائرة الصراعات هذه، ربما بسبب طبيعة نظامه السياسي وتركيبته الطوائفية وتاريخ حافل من اللاوطنية لدى كل الأطراف السياسية التي نشطت فيه بيمينها ويسارها.
هذه القوى السياسية التي تصارعت على لبنان وفيه، لم تقدّم يوماً في أجنداتها السياسية أهمية بنائه وطناً ودولة بل كان دائماً جسر عبور الى ما هو أكبر من وطن كما فعلت التيارات القومية االتي سادت في الستينيات والسبعينيات، أو أقل من وطن لجميع أبنائه وهو رهان التيارات المسيحية المتطرفة المزدهرة مع "كتائب" القتال الأهلي في السبعينيات.
وإن كانت الثورة الفلسطينية ارتكبت خطايا كبيرة بحق لبنان الوطن الواحد عبر استباحتها حلم بنائه على مذبح التحرير الوطني الفلسطيني، فإن اليسار اللبناني لم يتعلم من تجارب القوميين العرب الفلسطينيين الذين وبعد ذوبان مع العروبة والناصرية خلال عقدين تليا نكبة فلسطين، اعادوا الاعتبار الى الهوية الوطنية الفلسطينية، فيما اليسار اللبناني اختار التضحية بالهوية الوطنية اللبنانية على مذبح الفلسطينية والعروبة.
العروبة أولاً
روى لي أحد الكوادر الفلسطينية أن الراحل جوزف مغيزل (وكان قريباً من حركة القوميين العرب في الستينيات)، زار الجزائر يوماً بعد تحريرها وكانت جبهة التحرير الجزائرية المعروفة بهواها العروبي وقربها من الناصرية قد انتصرت والبلاد قد استقلت، فلما حضر احتفالاً في مناسبة من المناسبات وقف الجميع احتراماً لدى رفع العلم الجزائري وأنشدوا النشيد الوطني. كان قد سبق لمغيزل أن حضر احتفالات القوميين العرب في لبنان، وما كانوا يبدأون احتفالاتهم بالنشيد اللبناني ولا يقفون للعلم احتراماً.. ربما عندها قرر مغيزل ان لا يصبح قومياً عربيا بالمعنى المتعارف عليه في لبنان.
لست متأكّداً من صحة هذه الرواية، ولكن في النهاية ضحّى القوميون العرب اللبنانيون بالهوية الوطنية، فكانت النتيجة ان خسروا لبنان ولم يربحوا عروبتهم.
هذا السياق الأيديولوجي هو الذي حكم معسكر المقاومين اللبنانيين لإسرائيل، وعجّل بانفحار الحرب الأهلية اللبنانية بالشكل الذي انفجرت فيه وبحيث لم يكن للمشروع الوطني اللبناني الذي رفعته الحركة الوطنية اللبنانية الا حيز ضئيل في الصراع الدامي، حتى إذا قرّر كمال جنبلاط استغلال اللحظة التاريخية لتغليب اللبنانية والتغيير اللبناني استُشهد مرة برصاص البعث السوري، وقبل ذلك بتخلي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عنه، وبعدها بتخلي الحركة الوطنية بزعامة وليد جنبلاط عن نفسها على مذبح العروبة والقومية أيضاً التي اقتضت آنذاك الارتهان لحافظ الاسد في مواجهته كامب ديفيد السادات.
هذه الاستهانة بالوطنية اللبنانية كلفت لبنان كثيراً، وأجهضت أحلام التغيير وفرصه أكثر من مرة، وهي لا تزال اليوم العائق الأكبر أمام قيامة لبنان.
ثورة غير منجزة داخلياً
وإذا كان مئات ألوف اللبنانيين نزلوا الى الشارع في 14 اذار 2005 ليعبروا في انتفاضة غير مسبوقة عن رفض قاطع للوصاية السورية التي استباحت بلدهم، فإن غياب المشروع الوطني اللبناني لدى قوى 14 اذار أعاد الأمور الى الوراء. هذه القوى، ورغم ما يمكن أن تتهم به من فساد وتبعية ومافيوزية وشراكة في كل الموبقات السابقة، كان لها أن تكون أكثر ذكاء للحفاظ على مصالحها الاجتماعية والمالية على الأقل، فتدركَ انه مواجهة تيارات الممانعة التدميرية التي استوطنت لبنان وجعلت من مدنه معسكرات ثورية كبيرة، ان هذه المواجهة تقتضي إحداث ثغرة في جدار النظام السياسي اللبناني عبر إتاحة المجال للقوى الاجتماعية الطامحة نحو تحسين اوضاعها ونحو الاستقرار ونحو السلم، للتمثيل السياسي، وعبر المضي ولو خطوات صغيرة نحو العلمنة القادرة فعلياً على مواجهة تسلّط الممانعين.
كان يمكن لقوى 14 اذار ومعها الكنيسة المارونية بالتحديد الخروح من دائرة المعزوفة القديمة والبالية عن صحة التمثيل المسيحي نحو المطالبة بصحة التمثيل اللبناني، ونحو تبني النسبية في قانون الانتخابات.
لكن مجدداً، غياب أي مشروع لبناني جامع وواضح عن أجندات هذه القوى، أدى بها الى الاصطدام بجدار سيكسر رأسها ورأس لبنان واللبنانيين. فصرخات المطارنة والبطريرك تحديداً في 2005 المطالبة باعتماد القضاء دائرة انتخابية وأنه لا يجوز أن يُنتخب النواب المسيحيون بأصوات المسلمين ادت الى اكتساح المتطرف الانتهازي ميشال عون للدوائر المسيحية، وهو ما سيتكرر على ما يبدو اليوم، والى اقصاء القوى الأخرى.
وغضّت قوى 14 اذار النظر عن اقتراح قانون الانتخاب الذي اعدته لجنة فؤاد بطرس، حارمة على الأقل ربع اللبنانيين الشيعة ممن يعارضون سياسات حزب الله وحركة امل من التمثيل السياسي، وحارمة القوى التي لديها امتدادات مدنية وسياسية على كامل خارطة البلاد من اختراق التركيبة الطائفية للنظام، ومحيلة آمال التغيير لدى المجتمع الأهلي إلى سلّة المهملات.
ظن الـ14 اذاريون أن بإمكانهم حكم لبنان عبر تحالف طائفي يستبعد القوى الطائفية التمثيلية للشيعة دون أن ينتفض الشيعة اللبنانيون ويلتفوا خلف أكثر القوى تطرفاً فيهم، وظنوا أن بإمكانهم إضفاء الطابع الوطني على ثورتهم عبر توزير شيعي من هنا والمجيء بأخر الى النيابة.. لكنهم لم يلتفتوا الى اهمية ان يعطى التمثيل السياسي لكل اللبنانيين الاهمية القصوى في سياستهم، فأضاعوا ثورة الارز الداخلية، وهُزموا مرة بالاغتيالات، وبالسلاح في ايار 2008، وسيهزمون ربما بصندوقة الاقتراع في حزيران 2009.
ويعتقد اليوم الكثير من المثقفين الملتحقين بـ14 اذار ان هزيمة حزب الله ممكنة في الانتخابات، لكنهم مخطئون لأنه حتى لو حصدت قوى 14 اذار أغلبية المقاعد فإنها لن تستطيع أن تحكم، بل ممنوع عليها ان تحكم باسم الثلث المعطّل، وممنوع على رئيس الجمهورية أن يمارس صلاحياته بالحدّ الأدنى، وبديل ذلك هو الحرب الأهلية.
هذا يقود مجدداً إلى موضوعة الوطنية اللبنانية.. لا يمكن أن يعلو شأنُ للوطنية اللبنانية بين منتسبي كل الطوائف الا بقانون وطني وليس بقانون الطوائف. وأكثر من ذلك، إن بعض الطوائف نفسها لا يمكنها ان تظل موجودة بالمعنى السياسي الا بالاستنجاد بقانون الوطن... وبصراحة أكثر لا مصلحة للمسيحيين في لبنان أفراداً وطوائف حتّى إلا بالاتجاه نحو العلمنة وتحديث النظام.
التحالف الوطني الواسع لبناء الدولة الحديثة
فليُهزم جماعة 14 اذار، لا بأس. لكن على الأقل فليتعلموا من دروس الماضي، وليفسحوا المجال امام كل القوى اللبنانية للتكتل من أجل الاصلاح والتغيير الحقيقيين. من أجل اصلاح النظام السياسي الذي لا يمكن ان يبدأ الا عبر تغيير قانون الانتخاب وتوسيع قاعدة التمثيل الشعبي، لإنتاج اكبر تحالف تاريخي يجمع القوى الاجتماعية والسياسية والطوائف المتضررة من الوضع الحالي والأفراد والمجموعات وللمطالبة بقيام الدولة اللبنانية الكليّة، دولة لا سيادة فيها الا لقانون واحد يسري على الجميع، وباجندة سياسية تستمد شرعيتها من الداحل اللبناني وليس من مصالح القوى الاقليمية والدولية المتغيّرة.
مثل هذا التحالف المدني هو الوحيد القادر على مواجهة زحف الخامنئيين والنجاديين، ليست قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا أساطيل أجنبية لن تأتي ولا نريدها أصلاً ان تأتي.
وأكثر من ذلك، قد يكون القرار 1559 مرتبط فعلاً بالمتغيّرات التي حملتها الحرب الأميركية على "الارهاب" التي فتحت معها جبهات في شرق اوسط ضخّمه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة ليمتدّ من أفغانستان وصولاً الى شطآن المحيط الأطلسي المغاربية.
كل ذلك ربما يكون صحيحا، وإن احتاج الى كثير من التمحيص والدراسة والتحليل.
لكن ما هو حاصل اليوم، اكبر من طاقة لبنان على احتماله.. ففي خضم تصفية الحسابات والحروب الإقليمية والدولية، يدفع هذا البلد الصغير وسكانه الأربعة ملايين ونصف أثماناً مضاعفة.
فما الذي جرى حتى يصبح بلد بحجم لبنان رهينة سياسات كبيرة يختلط فيها النووي الإيراني بقضية فلسطين، وحرب العراق بموجات المرتزقة القاعديين، واجتياح افغانستان بنهوض حركات الممانعة السلطوية؟
هو لبنان الحلقة الأضعف في دائرة الصراعات هذه، ربما بسبب طبيعة نظامه السياسي وتركيبته الطوائفية وتاريخ حافل من اللاوطنية لدى كل الأطراف السياسية التي نشطت فيه بيمينها ويسارها.
هذه القوى السياسية التي تصارعت على لبنان وفيه، لم تقدّم يوماً في أجنداتها السياسية أهمية بنائه وطناً ودولة بل كان دائماً جسر عبور الى ما هو أكبر من وطن كما فعلت التيارات القومية االتي سادت في الستينيات والسبعينيات، أو أقل من وطن لجميع أبنائه وهو رهان التيارات المسيحية المتطرفة المزدهرة مع "كتائب" القتال الأهلي في السبعينيات.
وإن كانت الثورة الفلسطينية ارتكبت خطايا كبيرة بحق لبنان الوطن الواحد عبر استباحتها حلم بنائه على مذبح التحرير الوطني الفلسطيني، فإن اليسار اللبناني لم يتعلم من تجارب القوميين العرب الفلسطينيين الذين وبعد ذوبان مع العروبة والناصرية خلال عقدين تليا نكبة فلسطين، اعادوا الاعتبار الى الهوية الوطنية الفلسطينية، فيما اليسار اللبناني اختار التضحية بالهوية الوطنية اللبنانية على مذبح الفلسطينية والعروبة.
العروبة أولاً
روى لي أحد الكوادر الفلسطينية أن الراحل جوزف مغيزل (وكان قريباً من حركة القوميين العرب في الستينيات)، زار الجزائر يوماً بعد تحريرها وكانت جبهة التحرير الجزائرية المعروفة بهواها العروبي وقربها من الناصرية قد انتصرت والبلاد قد استقلت، فلما حضر احتفالاً في مناسبة من المناسبات وقف الجميع احتراماً لدى رفع العلم الجزائري وأنشدوا النشيد الوطني. كان قد سبق لمغيزل أن حضر احتفالات القوميين العرب في لبنان، وما كانوا يبدأون احتفالاتهم بالنشيد اللبناني ولا يقفون للعلم احتراماً.. ربما عندها قرر مغيزل ان لا يصبح قومياً عربيا بالمعنى المتعارف عليه في لبنان.
لست متأكّداً من صحة هذه الرواية، ولكن في النهاية ضحّى القوميون العرب اللبنانيون بالهوية الوطنية، فكانت النتيجة ان خسروا لبنان ولم يربحوا عروبتهم.
هذا السياق الأيديولوجي هو الذي حكم معسكر المقاومين اللبنانيين لإسرائيل، وعجّل بانفحار الحرب الأهلية اللبنانية بالشكل الذي انفجرت فيه وبحيث لم يكن للمشروع الوطني اللبناني الذي رفعته الحركة الوطنية اللبنانية الا حيز ضئيل في الصراع الدامي، حتى إذا قرّر كمال جنبلاط استغلال اللحظة التاريخية لتغليب اللبنانية والتغيير اللبناني استُشهد مرة برصاص البعث السوري، وقبل ذلك بتخلي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عنه، وبعدها بتخلي الحركة الوطنية بزعامة وليد جنبلاط عن نفسها على مذبح العروبة والقومية أيضاً التي اقتضت آنذاك الارتهان لحافظ الاسد في مواجهته كامب ديفيد السادات.
هذه الاستهانة بالوطنية اللبنانية كلفت لبنان كثيراً، وأجهضت أحلام التغيير وفرصه أكثر من مرة، وهي لا تزال اليوم العائق الأكبر أمام قيامة لبنان.
ثورة غير منجزة داخلياً
وإذا كان مئات ألوف اللبنانيين نزلوا الى الشارع في 14 اذار 2005 ليعبروا في انتفاضة غير مسبوقة عن رفض قاطع للوصاية السورية التي استباحت بلدهم، فإن غياب المشروع الوطني اللبناني لدى قوى 14 اذار أعاد الأمور الى الوراء. هذه القوى، ورغم ما يمكن أن تتهم به من فساد وتبعية ومافيوزية وشراكة في كل الموبقات السابقة، كان لها أن تكون أكثر ذكاء للحفاظ على مصالحها الاجتماعية والمالية على الأقل، فتدركَ انه مواجهة تيارات الممانعة التدميرية التي استوطنت لبنان وجعلت من مدنه معسكرات ثورية كبيرة، ان هذه المواجهة تقتضي إحداث ثغرة في جدار النظام السياسي اللبناني عبر إتاحة المجال للقوى الاجتماعية الطامحة نحو تحسين اوضاعها ونحو الاستقرار ونحو السلم، للتمثيل السياسي، وعبر المضي ولو خطوات صغيرة نحو العلمنة القادرة فعلياً على مواجهة تسلّط الممانعين.
كان يمكن لقوى 14 اذار ومعها الكنيسة المارونية بالتحديد الخروح من دائرة المعزوفة القديمة والبالية عن صحة التمثيل المسيحي نحو المطالبة بصحة التمثيل اللبناني، ونحو تبني النسبية في قانون الانتخابات.
لكن مجدداً، غياب أي مشروع لبناني جامع وواضح عن أجندات هذه القوى، أدى بها الى الاصطدام بجدار سيكسر رأسها ورأس لبنان واللبنانيين. فصرخات المطارنة والبطريرك تحديداً في 2005 المطالبة باعتماد القضاء دائرة انتخابية وأنه لا يجوز أن يُنتخب النواب المسيحيون بأصوات المسلمين ادت الى اكتساح المتطرف الانتهازي ميشال عون للدوائر المسيحية، وهو ما سيتكرر على ما يبدو اليوم، والى اقصاء القوى الأخرى.
وغضّت قوى 14 اذار النظر عن اقتراح قانون الانتخاب الذي اعدته لجنة فؤاد بطرس، حارمة على الأقل ربع اللبنانيين الشيعة ممن يعارضون سياسات حزب الله وحركة امل من التمثيل السياسي، وحارمة القوى التي لديها امتدادات مدنية وسياسية على كامل خارطة البلاد من اختراق التركيبة الطائفية للنظام، ومحيلة آمال التغيير لدى المجتمع الأهلي إلى سلّة المهملات.
ظن الـ14 اذاريون أن بإمكانهم حكم لبنان عبر تحالف طائفي يستبعد القوى الطائفية التمثيلية للشيعة دون أن ينتفض الشيعة اللبنانيون ويلتفوا خلف أكثر القوى تطرفاً فيهم، وظنوا أن بإمكانهم إضفاء الطابع الوطني على ثورتهم عبر توزير شيعي من هنا والمجيء بأخر الى النيابة.. لكنهم لم يلتفتوا الى اهمية ان يعطى التمثيل السياسي لكل اللبنانيين الاهمية القصوى في سياستهم، فأضاعوا ثورة الارز الداخلية، وهُزموا مرة بالاغتيالات، وبالسلاح في ايار 2008، وسيهزمون ربما بصندوقة الاقتراع في حزيران 2009.
ويعتقد اليوم الكثير من المثقفين الملتحقين بـ14 اذار ان هزيمة حزب الله ممكنة في الانتخابات، لكنهم مخطئون لأنه حتى لو حصدت قوى 14 اذار أغلبية المقاعد فإنها لن تستطيع أن تحكم، بل ممنوع عليها ان تحكم باسم الثلث المعطّل، وممنوع على رئيس الجمهورية أن يمارس صلاحياته بالحدّ الأدنى، وبديل ذلك هو الحرب الأهلية.
هذا يقود مجدداً إلى موضوعة الوطنية اللبنانية.. لا يمكن أن يعلو شأنُ للوطنية اللبنانية بين منتسبي كل الطوائف الا بقانون وطني وليس بقانون الطوائف. وأكثر من ذلك، إن بعض الطوائف نفسها لا يمكنها ان تظل موجودة بالمعنى السياسي الا بالاستنجاد بقانون الوطن... وبصراحة أكثر لا مصلحة للمسيحيين في لبنان أفراداً وطوائف حتّى إلا بالاتجاه نحو العلمنة وتحديث النظام.
التحالف الوطني الواسع لبناء الدولة الحديثة
فليُهزم جماعة 14 اذار، لا بأس. لكن على الأقل فليتعلموا من دروس الماضي، وليفسحوا المجال امام كل القوى اللبنانية للتكتل من أجل الاصلاح والتغيير الحقيقيين. من أجل اصلاح النظام السياسي الذي لا يمكن ان يبدأ الا عبر تغيير قانون الانتخاب وتوسيع قاعدة التمثيل الشعبي، لإنتاج اكبر تحالف تاريخي يجمع القوى الاجتماعية والسياسية والطوائف المتضررة من الوضع الحالي والأفراد والمجموعات وللمطالبة بقيام الدولة اللبنانية الكليّة، دولة لا سيادة فيها الا لقانون واحد يسري على الجميع، وباجندة سياسية تستمد شرعيتها من الداحل اللبناني وليس من مصالح القوى الاقليمية والدولية المتغيّرة.
مثل هذا التحالف المدني هو الوحيد القادر على مواجهة زحف الخامنئيين والنجاديين، ليست قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا أساطيل أجنبية لن تأتي ولا نريدها أصلاً ان تأتي.
No comments:
Post a Comment