Wednesday, January 21, 2009

عن باراك أوباما

زياد ماجد
نشر في "الافق"، العدد 11، كانون الاول 2008
www.al-ofok.com


يكتسب انتخاب باراك أوباما معاني تتخطّى التعبير عن التغيير الذي ظهر في المجتمع الأميركي في السنوات الأخيرة، لناحية التطوّر الديموغرافي والثقافي للمدن الكبرى والمتوسطة وتزايد الاختلاط الإثني فيها، ولناحية بروز جيل جديد بعقلية صارت العنصرية عند الكثيرين من المنضوين فيه تاريخاً بشعاً لا يمتّ إليه بصلة. كما أن معاني هذا الانتخاب تتخطّى أيضاً نجومية أوباما وآلته التنظيمية والإعلامية والمالية الضخمة التي حسمت المعركة الديمقراطية في أقوى دولة في العالم.

ففي صعود باراك أوباما عنصران لا يقلان أهمية عمّا ذُكر:
الأول، تبلور النتائج التي يمكن للتراكم الديمقراطي تحقيقها، خاصة إن جاء هذا التراكم مقروناً بحيّز كبير للفردية بوصفها قيمة في ذاتها وعنصر انطلاق للعمل الجماعي لا تذوب فيه، بل تؤسّس من خلاله لمفهوم المواطنية وما تقتضيه من ولاء للوطن وللقوانين وتعلّف بالفرص المتاحة فيه.
والثاني، جني ثمار (وأي ثمار!) سياسات التمييز الإيجابي التي اعتُمدت في العقود الماضية إثر فورة الحقوق المدنية وأفول التشريعات العنصرية. وهي سياسات مكّنت "الأقليات" (والنساء) من الانخراط في المؤسسات العامة والخاصة والاندماج في مواقع كانت شديدة النخبوية الى حدّ الإقصاء للوافدين من خارج الأطر التقليدية لدوائر "الرجال البيض البروتستانت الأنكلو ساكسون".

وفي ما هو أبعد من المدلولات أميركياً، يُحدث انتخاب باراك أوباما صدمة في العالم، قد تصالح بعضاً منه مع أميركا، أو بالأحرى تصالح أميركا معه، إذا نجح الرئيس الجديد في تقليص رقع التوتّرات التي انخرط فيها سلفه، وإذا نجح في إطلاق مسارات سياسية ديبلوماسية تخفّف الاحتقانات وتقلّل من أضرارها على مجمل العلاقات الدولية في لحظة توتر وكثرة احتمالات.

هل يعني ذلك أن الحيوية التي أطلقها أوباما داخل بلاده وفي أنحاء المعمورة ستغطّي على المشاكل العظمى أو تجمّل تعاطي إدارة البيت الأبيض الجديدة معها؟

بالطبع لا. فلا انتخاب أوباما يعني أن العدالة الاجتماعية متحققة غداً في أميركا، ولا أن السياسة الخارجية الاميركية بمصالحها وشبكات تحالفاتها – وخاصة في منطقتنا – ذاهبة نحو التبدّل أو التغيير.
لكنه يعني، ولهذه الأسباب أيضاً، أن مقداراً من الموضوعية في فهم ما جرى في أميركا ضروري، وأن التعاطي مع بلاد قائمة على ضخامة المفارقات وكثافة الإنجازات، وعلى إحتمال المفاجآت وعلى المصالح الثابتة والمتحرّكة، مفيد إن أراد أحد التأثّر والتأثير...

No comments: