وائل عبد الرحيم
أشهد ان بعض الصحافة المحسوب على ما يسمى تيار الاعتدال والموضوعية ينشر هذه الايام مقالات جريئة على نحو مخجل ومتبجح موجع. اشهد ان بعضنا يعين الظلم والعدوان والفاشية. اشهد ان معظمنا مستلب ومهزوم. اشهد اننا نكتب ترفاً قبيحاً، أشهد اننا فعلاً لا نستحي. نتكلم عن الارهاب والتطرف، ونعيد ونزيد في التهدئة والمعابر ومبادرات الحلول المؤجلة، ونصفي أحقادنا على جثث اطفالنا وبناتنا، ونتجاهل القتل والموت وإرهاب إسرائيل ووحشية جيشها الهمجي. تباً لنا ولمواقفنا المفتعلة وقلوبنا المريضة.
داوود الشريان – الحياة 06/01/09
كشفت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة المأزق السياسي والثقافي الذي تعيشه شريحة واسعة من مثقفي "تيار الاعتدال العربي". وإن كانت هذه الكلمات السابقة للكاتب داوود الشريان، وهو والصحيفة التي يكتب فيها محسوبان على تيار الاعتدال، جاءت كإنذار جادّ وحقيقي للمعتدلين العرب حتى يفطنوا إلى أيّ درك انحدروا في مقاربتهم الصراع العربي الإسرائيلي، وكيف أن مواقفهم لا ترقى إلى نصف ما يطرحه حزب "ميريتس" مثلاً، فإنها لا تكفي لتبيان الانفصام الكبير الذي اصاب كتّابنا ومثقفينا.
فهؤلاء قدّموا مقاربة سطحية ومرتبكة تساوي بين عدوان واضح في إجرامه وبين فصيل إسلامي مقاتل لديه أخطاؤه وخطاياه الكبيرة لكنه يبقى في النهاية نتاج هذا الصراع الذي لا ينتهي مع استعمار كولونيالي رسّخ وجوده على حساب حقوق تاريخية وإنسانية وطبيعية لشعب فلسطين، وليس حتماً سبباً له.
ولم يكن هذا الفصام مستجداً وليس جديداً لدى مثقفي الاعتدال العربي، لكن حرب غزة كشفت العورات بشكل صارخ وأظهرت أن "الديمقراطية العربية" التي ينادي بها هؤلاء ليست إلا كذبة ملفّقة تسقط أمام مهمة الدفاع عن أنظمة فاشية في قمعها ورجعية في بناها السياسية. كم كان مخزياً حقاً كيف استُنفرت صحف بيروت وكتّابها للدفاع عن الرئيس مبارك وخادم الحرمين الشريفين في حملة منسّقة ومنظمة لم تسثن كاتباً واحداً من كاتب العامود إلى الصحافي في قسم المحليات، فتحركت أوركسترا كاملة ومنتاغمة مستخدمة كل ديالكتيك هيغل للدفاع ليس عن الديمقراطية العربية التي يبشّرون فيها، بل عن أنظمة لا تقلّ عن خصمهم النظام السوري دموية وديكتاتورية.
قد نفهم أن كاتباً من هنا وكاتباً من هناك انبريا للدفاع عن موقف هذه الدولة أو ذاك الرئيس، لكن ان تخرج مانشيتات صحف بيروت وعواميدها شديدة الشبه بتلك اليافطات التي رفعتها بعض أفران المناقيش في الأحياء الشعبية لبيروت الغربية انتصاراً لجلالة الملك هذا وسيادة الرئيس ذاك، فهذا أمر مخز فعلاً.
حينما انطلقت ثورة الأرز اللبنانية في آذار / مارس 2005 كتب الصحافي Lee Smith في "الويكلي ستاندرد" بعد لقائه وليد جنبلاط في قرية المختارة عن حقيقة مشاعر الزعيم الدرزي "الديمقراطي". تحدث يومها لقرّاء هذه المجلة الأمير كية الناطقة باسم المحافظين الجدد المهزومين اليوم، عن أنّ هذا الديمقراطي المستجدّ يمتلك عقلية التاجر المركانتيلية الانتهازية )Weekly Standard 03/05/2005). جنبلاط كان تمنى قبل أشهر الموت لبول وولفويتز بصواريخ المقاومة العراقية. لم يستمرّ المحافظون الجدد بالتحكم في السياسة الخارجية الأميركية، سرعان ما أصبحوا عبئاً على جورج بوش فسمح الأخير لكوندوليزا رايس بتطهير وزارة الخارجية من أصدقاء ديك تشيني، وأبعد دونالد رامسفيلد عن وزارة الدفاع.
في العالم العربي من يأسف على هزيمة جورج بوش، لكن يوجد أيضاً من أسف قبل ذلك على هزيمة المحافظين الجدد بعدما كان بعيد حرب العراق يعبّ من سيل إغراق أيديولوجي كاد يطيح بالحدّ الأدنى للمنطق السياسي.
في حرب غزة ظهرت البقايا المتحوّلة لهذا "الإغراق".. مواقف لمثقفين بدت في أفضل الأحوال نافرة مربكة.
نقرأ للدكتور شاكر النابلسي تحليلاً "بسيكولوجياً" فذّاً للصراع العربي الإسرائيلي تحت عنوان "غزة تفتقد اليوم قباني ودرويش" وهو يلقي بمسؤولية ما أسماه الهيجان العاطفي للشارع العربي على أصحاب "الشعر التافه" الذين صنعوا تلك الرومانسية للقضية الفلسطينية ويقول في ذلك "فإذا كانت القضية الفلسطينية نكبة على العرب وجيوشهم، فهي نعمة مباركة على الشعر العربي. ويكفي أن يكون الشاعر فلسطينياً، لكي يكون الشاعر المُبرّز، ونجم المهرجانات والفضائيات والندوات، حتى ولو كان شاعراً من الدرجة العاشرة".
أمّا طارق الحميّد رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية فلم يرَ في غزّة إلا "مسرحية دموية مقيتة تتكرر على مدى عقود، باسم القضية الفلسطينية.. نفس المشاهد، والأكاذيب، لا جديد فيها إلا الضحايا. فصيل يتاجر، وجرائم إسرائيلية، وشجب واستنكار عربي". موقف محايد لإعلامي لا يخفي انحيازه لمليكه!
خضير طاهر الكاتب العراقي الذي جعلته صحيفة إيلاف الالكترونية نجماً كان الأكثر صراحة في التعبير حينما عنون مقاله "الجيش الاسرائيلي يسحق عملاء ايران في غزة"، في استعادة على ما يبدو لكلمات فصيح اللغة العربية السابق ومخترع العاميّة اللبنانية سعيد عقل حينما رحّب بـ"الجيش الاسرائيلياني البطل" خلال غزو بيروت عام 1982.
مواقف هؤلاء تضاف اليها آلاف الكلمات المصفوفة التي أُهرقطت دفاعاً عن أنظمة الاعتدال. ولست أجادل في صحة الموقف المصري او السعودي. فلست ناخباً لأقيّم هذين الموقفين أو أقوّمهما انتخاباً، ويحق لمبارك أن يقفل معابره ما يشاء طالما أن صندوق الاقتراع ليس الحدّ الفاصل في تقرير مصيره، ويحق للملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يصرّ على ما يراه صواباً فشرعية مُلكه مستندة إلى عرش السماء وسيوف "مجاهدي" محمد بن عبدالوهّاب التي فتحت الرياض. تماماً كما لا يكترث بشار الأسد بمواقف شعبه وهو المكرّس وريثاً أبديا للسلالة الجمهورية المالكة التي أسّسها والده الطاغية.
ويحقّ لكاتب العامود في صحف بيروت أن ينتشي بعلمانيته وأن يتحمّس في الوقت نفسه للدفاع عن حكم طائفي ودينيّ في السعودية يمنع حتى التعددية في المذهب الواحد ويطبّق الشريعة الإسلامية في أقسى عقوباتها من جلد وقطع رقاب وأيادٍ.
ويحقّ لكاتب يدعي الليبرالية والديمقراطية ان يدافع عن نظام يسجن زملاءه بتهم باطلة ويزجّ بأيمن نور في الزنازين المعتمة، ويحمي سلطة الأزهر التي ليس لديها عمل إلا تطليق الدكتور نصر حامد أبوزيد من زوجته واتهامه بالردّة.
يحقّ لهؤلاء الكتّاب أن يعطوا الأمثلة الصارخة على تناقضهم مع ما يرفعونه من شعارات، ولو كانوا يتمتعون بالذكاء الكافي والاحترام لأنفسهم لذهبوا في الاتجاه الذي كرّسه العزيز وسام سعادة في تشديده صراحة على الخطّ المحافظ للاعتدال. حسناً فعل وسام سعادة في ذلك، لأنه كان الأكثر صدقاً ونزاهة في كلّ ما كُتب حينما دعا إلى قيام "اليمين الدستوري الإستقلالي سياسياً، والمحافظ اجتماعياً (ابتداء من العائلة) والليبرالي اقتصادياً والانتقائي النقديّ ثقافياً" (المستقبل 16/11/2008).
الأكيد أن "الديمقراطية العربية" التي يطرحها بعض المثقفين للتنظير فحسب لم تعد شرعية طالما أنهم يتعاملون مع شعوبهم كما يتعامل طبيب نفسي مع مريض (على طريقة شاكر النابلسي في نظرته إلى الرأي العام العربي)، وهم يضمرون لها كراهية شديدة وخوفاً منها أن تأتي بحماس انتخاباً أو بمحمد عاكف إذا سقط النظام في القاهرة، متناسين أن ما يدفع الشعوب العربية إلى أحضان الإسلاميين ليس إلا فساد البديل والتناقض الصارخ الذي يحمله وأيضاً الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي.
ومن هنا وحتى يتبلور بديل آخر، نصيحة لمثقفي الاعتدال بتخفيف اللهجة وكبح الشتائم المتبادلة مع مثقفي المعسكر المقابل، فإذا كانوا يتهمون أسعد ابو خليل وابراهيم الأمين بأنهما بوقين للأنظمة القمعية، فإنهم هم أيضاً أبواق لأنظمة أخرى لا تقلّ قمعية... وسيأتي يوم يتصالح النظام الرسمي العربي مع بعضه البعض، فلهم أن يحفظوا خطّ المصالحة مع من سيُفرض عليهم من متصالحين.
أما "الديمقراطية العربية" فتبقى حاجة ماسّة للمضطهدين والمقموعين ومستلبي الإرادة، وهي ليست ترفاً، وليست تمويلاً غير حكومي أو حكومي لمراقبي الانتخاب، بل هي الحقيقة الصارخة لما سيُسقَط من أوراق في صندوقة الاقتراع فيما لو حكم هذا الصندوق عالمنا العربي.
داوود الشريان – الحياة 06/01/09
كشفت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة المأزق السياسي والثقافي الذي تعيشه شريحة واسعة من مثقفي "تيار الاعتدال العربي". وإن كانت هذه الكلمات السابقة للكاتب داوود الشريان، وهو والصحيفة التي يكتب فيها محسوبان على تيار الاعتدال، جاءت كإنذار جادّ وحقيقي للمعتدلين العرب حتى يفطنوا إلى أيّ درك انحدروا في مقاربتهم الصراع العربي الإسرائيلي، وكيف أن مواقفهم لا ترقى إلى نصف ما يطرحه حزب "ميريتس" مثلاً، فإنها لا تكفي لتبيان الانفصام الكبير الذي اصاب كتّابنا ومثقفينا.
فهؤلاء قدّموا مقاربة سطحية ومرتبكة تساوي بين عدوان واضح في إجرامه وبين فصيل إسلامي مقاتل لديه أخطاؤه وخطاياه الكبيرة لكنه يبقى في النهاية نتاج هذا الصراع الذي لا ينتهي مع استعمار كولونيالي رسّخ وجوده على حساب حقوق تاريخية وإنسانية وطبيعية لشعب فلسطين، وليس حتماً سبباً له.
ولم يكن هذا الفصام مستجداً وليس جديداً لدى مثقفي الاعتدال العربي، لكن حرب غزة كشفت العورات بشكل صارخ وأظهرت أن "الديمقراطية العربية" التي ينادي بها هؤلاء ليست إلا كذبة ملفّقة تسقط أمام مهمة الدفاع عن أنظمة فاشية في قمعها ورجعية في بناها السياسية. كم كان مخزياً حقاً كيف استُنفرت صحف بيروت وكتّابها للدفاع عن الرئيس مبارك وخادم الحرمين الشريفين في حملة منسّقة ومنظمة لم تسثن كاتباً واحداً من كاتب العامود إلى الصحافي في قسم المحليات، فتحركت أوركسترا كاملة ومنتاغمة مستخدمة كل ديالكتيك هيغل للدفاع ليس عن الديمقراطية العربية التي يبشّرون فيها، بل عن أنظمة لا تقلّ عن خصمهم النظام السوري دموية وديكتاتورية.
قد نفهم أن كاتباً من هنا وكاتباً من هناك انبريا للدفاع عن موقف هذه الدولة أو ذاك الرئيس، لكن ان تخرج مانشيتات صحف بيروت وعواميدها شديدة الشبه بتلك اليافطات التي رفعتها بعض أفران المناقيش في الأحياء الشعبية لبيروت الغربية انتصاراً لجلالة الملك هذا وسيادة الرئيس ذاك، فهذا أمر مخز فعلاً.
حينما انطلقت ثورة الأرز اللبنانية في آذار / مارس 2005 كتب الصحافي Lee Smith في "الويكلي ستاندرد" بعد لقائه وليد جنبلاط في قرية المختارة عن حقيقة مشاعر الزعيم الدرزي "الديمقراطي". تحدث يومها لقرّاء هذه المجلة الأمير كية الناطقة باسم المحافظين الجدد المهزومين اليوم، عن أنّ هذا الديمقراطي المستجدّ يمتلك عقلية التاجر المركانتيلية الانتهازية )Weekly Standard 03/05/2005). جنبلاط كان تمنى قبل أشهر الموت لبول وولفويتز بصواريخ المقاومة العراقية. لم يستمرّ المحافظون الجدد بالتحكم في السياسة الخارجية الأميركية، سرعان ما أصبحوا عبئاً على جورج بوش فسمح الأخير لكوندوليزا رايس بتطهير وزارة الخارجية من أصدقاء ديك تشيني، وأبعد دونالد رامسفيلد عن وزارة الدفاع.
في العالم العربي من يأسف على هزيمة جورج بوش، لكن يوجد أيضاً من أسف قبل ذلك على هزيمة المحافظين الجدد بعدما كان بعيد حرب العراق يعبّ من سيل إغراق أيديولوجي كاد يطيح بالحدّ الأدنى للمنطق السياسي.
في حرب غزة ظهرت البقايا المتحوّلة لهذا "الإغراق".. مواقف لمثقفين بدت في أفضل الأحوال نافرة مربكة.
نقرأ للدكتور شاكر النابلسي تحليلاً "بسيكولوجياً" فذّاً للصراع العربي الإسرائيلي تحت عنوان "غزة تفتقد اليوم قباني ودرويش" وهو يلقي بمسؤولية ما أسماه الهيجان العاطفي للشارع العربي على أصحاب "الشعر التافه" الذين صنعوا تلك الرومانسية للقضية الفلسطينية ويقول في ذلك "فإذا كانت القضية الفلسطينية نكبة على العرب وجيوشهم، فهي نعمة مباركة على الشعر العربي. ويكفي أن يكون الشاعر فلسطينياً، لكي يكون الشاعر المُبرّز، ونجم المهرجانات والفضائيات والندوات، حتى ولو كان شاعراً من الدرجة العاشرة".
أمّا طارق الحميّد رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية فلم يرَ في غزّة إلا "مسرحية دموية مقيتة تتكرر على مدى عقود، باسم القضية الفلسطينية.. نفس المشاهد، والأكاذيب، لا جديد فيها إلا الضحايا. فصيل يتاجر، وجرائم إسرائيلية، وشجب واستنكار عربي". موقف محايد لإعلامي لا يخفي انحيازه لمليكه!
خضير طاهر الكاتب العراقي الذي جعلته صحيفة إيلاف الالكترونية نجماً كان الأكثر صراحة في التعبير حينما عنون مقاله "الجيش الاسرائيلي يسحق عملاء ايران في غزة"، في استعادة على ما يبدو لكلمات فصيح اللغة العربية السابق ومخترع العاميّة اللبنانية سعيد عقل حينما رحّب بـ"الجيش الاسرائيلياني البطل" خلال غزو بيروت عام 1982.
مواقف هؤلاء تضاف اليها آلاف الكلمات المصفوفة التي أُهرقطت دفاعاً عن أنظمة الاعتدال. ولست أجادل في صحة الموقف المصري او السعودي. فلست ناخباً لأقيّم هذين الموقفين أو أقوّمهما انتخاباً، ويحق لمبارك أن يقفل معابره ما يشاء طالما أن صندوق الاقتراع ليس الحدّ الفاصل في تقرير مصيره، ويحق للملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يصرّ على ما يراه صواباً فشرعية مُلكه مستندة إلى عرش السماء وسيوف "مجاهدي" محمد بن عبدالوهّاب التي فتحت الرياض. تماماً كما لا يكترث بشار الأسد بمواقف شعبه وهو المكرّس وريثاً أبديا للسلالة الجمهورية المالكة التي أسّسها والده الطاغية.
ويحقّ لكاتب العامود في صحف بيروت أن ينتشي بعلمانيته وأن يتحمّس في الوقت نفسه للدفاع عن حكم طائفي ودينيّ في السعودية يمنع حتى التعددية في المذهب الواحد ويطبّق الشريعة الإسلامية في أقسى عقوباتها من جلد وقطع رقاب وأيادٍ.
ويحقّ لكاتب يدعي الليبرالية والديمقراطية ان يدافع عن نظام يسجن زملاءه بتهم باطلة ويزجّ بأيمن نور في الزنازين المعتمة، ويحمي سلطة الأزهر التي ليس لديها عمل إلا تطليق الدكتور نصر حامد أبوزيد من زوجته واتهامه بالردّة.
يحقّ لهؤلاء الكتّاب أن يعطوا الأمثلة الصارخة على تناقضهم مع ما يرفعونه من شعارات، ولو كانوا يتمتعون بالذكاء الكافي والاحترام لأنفسهم لذهبوا في الاتجاه الذي كرّسه العزيز وسام سعادة في تشديده صراحة على الخطّ المحافظ للاعتدال. حسناً فعل وسام سعادة في ذلك، لأنه كان الأكثر صدقاً ونزاهة في كلّ ما كُتب حينما دعا إلى قيام "اليمين الدستوري الإستقلالي سياسياً، والمحافظ اجتماعياً (ابتداء من العائلة) والليبرالي اقتصادياً والانتقائي النقديّ ثقافياً" (المستقبل 16/11/2008).
الأكيد أن "الديمقراطية العربية" التي يطرحها بعض المثقفين للتنظير فحسب لم تعد شرعية طالما أنهم يتعاملون مع شعوبهم كما يتعامل طبيب نفسي مع مريض (على طريقة شاكر النابلسي في نظرته إلى الرأي العام العربي)، وهم يضمرون لها كراهية شديدة وخوفاً منها أن تأتي بحماس انتخاباً أو بمحمد عاكف إذا سقط النظام في القاهرة، متناسين أن ما يدفع الشعوب العربية إلى أحضان الإسلاميين ليس إلا فساد البديل والتناقض الصارخ الذي يحمله وأيضاً الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي.
ومن هنا وحتى يتبلور بديل آخر، نصيحة لمثقفي الاعتدال بتخفيف اللهجة وكبح الشتائم المتبادلة مع مثقفي المعسكر المقابل، فإذا كانوا يتهمون أسعد ابو خليل وابراهيم الأمين بأنهما بوقين للأنظمة القمعية، فإنهم هم أيضاً أبواق لأنظمة أخرى لا تقلّ قمعية... وسيأتي يوم يتصالح النظام الرسمي العربي مع بعضه البعض، فلهم أن يحفظوا خطّ المصالحة مع من سيُفرض عليهم من متصالحين.
أما "الديمقراطية العربية" فتبقى حاجة ماسّة للمضطهدين والمقموعين ومستلبي الإرادة، وهي ليست ترفاً، وليست تمويلاً غير حكومي أو حكومي لمراقبي الانتخاب، بل هي الحقيقة الصارخة لما سيُسقَط من أوراق في صندوقة الاقتراع فيما لو حكم هذا الصندوق عالمنا العربي.
5 comments:
تحياتي وائل
أرغب بسمتع رأيك في مقالات د. أسعد أبو خليل ان كنت متابعا لها حتى لو كان موجزا
شكرا جدا جزيلا
محمد شلطف
محمد شكرا على اهتمامك مجددا
بالنسبة الى الدكتور ابو خليل يعني صدقا انا لست المرجع الصالح لابدي رايي بما يكتب ، هو استاذ جامعي وما شاء الله انتاجه غزير ومعروف،
بس على كل انا بالنسبة الي شخصيا انظر بنقدية الى كل من يدعو الى تصفية الخصم حتى لو كان الخصم على خطأ، والدكتور ابو خليل يستخدم اسلوب برأيي يهدر دم شريحة واسعة من الكتاب طبعا بالمعنى المجازي
انا ارى انه محق في امور وهو يعبر عن نبض الشارع العربي الغاضب من كل شيء
ولكن هذا الغضب يصبح خطيرا اذا ارتكز على التشهير الشخصي والضرب خبط عشواء اليس من المجدي اكثر ممارسة النقد بشكل يتجنب التجريح بالكرامات؟
هذا من جهة من جهة ثانية البناء على التاريخ لا يجب ان يكون بهدف انتقامي والدكتور ابو خليل يستحضر التاريخ دائما بنزعة انتقامية
هذه النفحة التخوينية والاتجاه الى تهشيم الاخر هو اسلوب ربما يجذب الكثيرين في عالمنا العربي ويفش خلقي وخلقك احيانا كثيرة، لكنه يخبئ نزعة الغائية للاخر تذكرني بالثورة الثقافية لماو تسي تونغ وبما حصل بعد الثورة الايرانية من تخوين لفئات وشرائح واسعة من المثقفين والناشطين الايرانيين
على كل هذا رأيي وهو يحتمل الخطأ والصواب
وائل
سلام وائل
مقالة رائعة ببساطة، مش مجاملة
أنا كتير عجبتني وبتعبر عن دور مفقود بأزمة المثقف العربي بشكل عام حيث سلطة المال - الإعلام - السياسة المتداخلة عم تمسح المساحات الحرّة للتفكير، الإدراك والتعبير
الموضوع كتير مركّز، صح قصير بس مترابط
حبيت نقد أبو خليل بس في مجاملة لسعادة واضحة، الرجل غطس لأذنيه
سلام للجميع
يحيا الفكر الحرّ
شكرا وائل رأيك احترمه وأوافقك في جزئية استحضار التاريخ للانتقام وتخوين الاخر وهذه يبرع بها د. أسعد بقدرة عجيبة تشعرني أنه تيار دافق لا يمكن السباحة ضده بأي حال، ولكني لا أنكر شخصيا شدة اعجابي واحترامي لقلمه وما يكتب
meem
جزء من سؤالي لوائل كان ما قرأته للبعض في نقد د.أسعد...لذا وان كنت من متابعي ما يكتب أتمنى أن توضح أكثر أين وكيف غطس لأذنيه
محمد شلطف
محمد سلام مرة تانية
meem كان يقصد وسام مش اسعد
Meem Thank you for your comment:)
Wael
Post a Comment